(6) سقوط واقع الكرازة بوهم مثالية الجديد!
بحث واقعي
لحقيقة واقعنا الكرازي المعاش والمبادئ المثالية
المعطي السادس:
سقوط واقع الكرازة بوهم مثالية الجديد!
ــ يرى البعض إن مشكلة العهد القديم تتلخص في إنه الماضي الرجعي, الذي لا يملك فقط أحداثاً مؤسفة وحسب, بل يملك أيضاً أخبار حروب وقتل وتدمير!
+ نعم العهد القديم لديه أخبار حروب مدمرة … وإنطلاقاً من هذا المنطلق تجرأ الكثير من لاهوتي الغرب لفصل العهد القديم عن الجديد, بدعوى تؤكد بأن العهد القديم فاقد لمثالية وسمو عهد النعمة, لذا لا يمكن أعتباره أكثر من كتاب لتاريخ حروب إسرائيل! فلا علاقة له بالله المحب المخلص المتجسد في عهد النعمة والخلاص. وقد فعلوا هذا بغرض نبيل, طمعاً في تنشيط خدمة الكرازة بتحريرها من أثقال الماضي الثقيلة وأحداثه الواقعية الغير مثالية, والتي قد فشلوا في تبريرها بأتجهاتهم المثالية الغير واقعية!
إلا إن هذا الفصل التعسفي لذاكرة تاريخ الكرازة, قد أبعد الكنيسة الغربية بقياداتها وعلمائها عن الواقع الكرازي المعاش والمتوارث عبر تاريخ الخلاص الفعلي الملامس لحياة الناس, والذي لا يمكن تجاوزه إلا بعدم الإدراك لحقيقة الكرازة! وهذا تسبب في فصل وفصم جذور الكرازة, لأنه بحسب هذه الرؤية الضيقة, والتي تؤكد بأن تلك الجذور المنغرسة في الطين لا تليق بشموخ الأغصان النضرة الغضة, فتلك الجذور الممتددة إلى أعماق الوحل السلوكي, تشكل عاراً لمثالية عهد النعمة لأنها لم ترى شمس البر!
إنه وهم المثالية المخرِّب, إنه وهم الفلسفة اللاهوتية التي صورت للغربيين إمكانية التخلص من كافة الأحداث التاريخية المؤسفة القديمة, التي يمكن أعادة تقييمها مرة أخري بحسب ثقافة العصر الحديث, ليتمكنوا من رفضها وفصمها عن واقعنا الكنسي المعاش, إلا أنهم لم يدركوا أو تناسوا عمداً, بأنهم بهذه الفعلة المشينة لم يقضوا على تاريخ الجهل وحده, بل قد قضوا أيضاً على تاريخ تطور الإنسانية برمته, وذاكرته الحافظة لسلامة مسار تطوره. ليتسبب هذا الفصم التعسفي في أقزمة الكرازة والخدمة في الواقع المعاش!
وهكذا يعود الإنسان لذات المتاهة الأولى القديمة, التي فيها كفر بالأخر, ليصير هو الإله, ليعبد صنم ذاته! وهذا هو بالفعل ما نراه من واقع المجتمع الغربي المتمدن الحديث الحالي, الذي لا يعرف سوى عبادة الذات بكل ما فيها من خطايا وشهوات ومبوقات الأنانية الكثيرة, ليطلق عليها تسميات عصرية مثالية جديدة … كالحب والحق الطبيعي الإنساني والحرية والتفرد الشخصي … إلخ من مثاليات الذهن والفكر الحديث!
وللأسف .. إن فصل العهدين القديم والجديد عن بعضهما البعض بحسب مثالية عهد النعمة, كان بالحق الضربة القاضية للكرازة المسيحية في الغرب, فكانت ضربة في مقتل حقيقي! لأنه بكل بساطة لا كرازة لمن فقد تاريخه, فينكر أرتباط واقعه المعاش بالمتوارث القديم, وبهذه الفعلة الهوجاء تفقد الكرازة ذاكرتها وذاكرة تطورها من صورتها الغشيمة الأولى, لتدور عائدة للخلف, لتكرر ذات الأخطاء السالفة لأنها لا تعرف ذاتها, ولا منشأ منبتها الذي تطورت منه, فتظل تائهة متغربة عن أصولها, لنشاهد نحن الأحياء في الحضارة الحديثة ضمور الكرازة رويداً رويداً لتنحصر عن حياة الناس والتاريخ, لتُحبس في جامعات ومعاهد اللاهوت الغربية وحسب!
وهكذا نأتي لسؤال لابد منه:
ــ ولكن فيما يبدو إنه لا ضرر منطقي يمكن أن يلحق بالعهد الجديد إن نَحينَا العهد القديم جانباً؟؟
هذا ـ وللأسف ـ ما قد أعتقده اللاهوتين المصلحين الغربين منذ إصلاح القرن السادس عشر, أعتقاداً منهم إن هذا سيساعد في التخلص من السلطان القوي الذي كان للكنيسة الكاثوليكية وقتها, والذي لم يدركه هؤلاء المصلحين إنه بالمثل سيكال لهم أيضاً, لتأتي الأجيال اللاحقة لتمحو تاريخهم الممتلئ بالأخطاء والتجاوزات, لينتهي عهدهم البائد والفاسد في نظر المحدثين, فَيُرفض تاريخ المُعلم من التلميذ!! بحجج لاهوتية غير واقعية شديدة المثالية, فَتتشتت الجماعة لأبسط العلل, ليتم التخلص من نفايات العهد القديم, فَيُحتقر التاريخ بالميزان المثالي!
وهكذا تظل كنيسة الإصلاح بلا قديسين شهود لتطور الحياة الواقعية إلى مجدها الأسمى, وبلا ذاكرة تاريخية تعليمية قادرة على أستخلاص العبر والحكم والموعظة من أخطاء ومصائب الماضي, ليظل الخطأ الأول الأصلاحي في القرن السادس عشر بلا تقييم حقيقي حتى يومنا هذا, وبلا تصحيح لأهدافه ولنتائجه على وحدة الكنيسة, ليعمل كتفاعل متسلسل بلا نهاية له, لتتفتت الكنيسة إلى عدة آلاف كثيرة من الشيع والتجمعات بلا نهاية, وبلا أمل أيضاً في إيقاف تفتتها. فالإصلاح لم ينجح في شئ سوى تشتيت وتفتيت الجسد الواحد, ليكتب به نهاية العالم! (يتبع)
————————————-
للمحافظة على الواقع الكرازي نشيطاً
الواقع والمبادئ (7) قصد لاهوتي مضاد للواقع الكرازي
↓↓ أضغط على الصورة ↓↓
Share this content:
2 تعليقان