زيف الصمت الحيادي!!
أحدى الأخوات المباركات -وهي صديقة مقربة لعائلتي- توجهت بسؤال منطقي جداً … حيث إنها محبة للقداس الأرثوذكسي، وللتناول من الأسرار المقدسة, وفي ذات الوقت … فهى من ضمن عشاق وعاظ الحب الإلهى من الأجتماعات البروتستانتية, الصارخة بعاطفة المحبة, الصاخبة بموسيقى المشاعر الملتهبة!! ولذا فهى عن خبرة كبيرة … تسأل متحيرةً:
– لماذا الأجتماعات الأرثوذكسية هي الوحيدة التي تحذر من خطورة العقيدة البروتستانتية؟!
في حين أن الأخرى لا تفعل ذلك؟!
فقد لاحظت … بأن الأخوة البروتستانت لا يحذرون من العقيدة الأرثوذكسية!!!
وبالحق هذا سؤال منطقي جداً ..
إلا أن الأسئلة الصعبة التى بحسب المنطق, تظهر فقط عندما نهمل المنطق!!!
والأجابة هنا منطقية ومختصرة, وهذا على سبيل المثال, وليس الحصر:
فبدورنا نسأل .. بالمنطق والعقل:
+ من يقوم بالتحذير .. صاحب العملة الحقيقية, أم المزور صاحب العملة المزيفة؟!
+ من يقوم بالتحذير .. الأب الصالح, أم تاجر المخدرات الذي يضلل الأبن, بحديث لين مزيف عن المخدر الجديد؟!
+ الأب الأمين له حديث شديد اللهجة, فهو من فرط محبته يكون الناهي المحذر من خطورة نتائج أتباع نصائح الغير, الخادعين بالوهم, مرشداً للطريق الصحيح, الذي بدونه لا خلاص للأبن!!
+ أما الصمت الحيادي .. فهو من نصيب كل مزور مخادع, يصمت عن فساد بضاعته, يصمت عن الهلاك المعد في نهاية الطريق, يصمت بحياد بخبث ودهاء, يُماين (يلعب بخبث وصمت) ليكسب مشترين لبضاعته الفاسدة.
+ الصمت الحيادي هو أسلوب سياسي بالدرجة الأولى, هو منهج الفراغ الخاوى من الحق, منهج سياسي بغيت لا أخلاق فيه, تتبعه الدول لتحقيق المكاسب بأي طريقة كانت, معاهم معاهم .. عليهم عليهم! هكذا كل باغي غاش, وكل جماعة باغية ظالمة.
+ أما كنيستنا .. جسد المسيح الحي, فهى بعيدة تماما عن منهج السياسة, ليس لها خبرة به على الإطلاق, طوال وجودها على الأرض, فهي تعلن الحق حتى الموت, وإلا فما هو سبب وجود شهداء في كافة البلدان الأرثوذكسية, وفي كل العصور, بل في أحلكها ظلماً وعدواناً وشراسةً.
+ أما أختفاء القديسين والشهداء في البروتستانتية, إنما يشير بكل وضوح للمنهج السياسي البرجماتي الذى تتبعه, منهج الصمت الحيادي المقيت, لذا فلا أخلاق في المنهج البروتستانتي, أفعل ما شئت, فلك إله غفور رحيم!!
+ أما يسوع يصرخ اليوم وكل يوم .. محذراً: [ كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ»] لو3:13, ولاحظ هنا …. يسوع لم يكتفي بتحذير المرة الواحدة, بل كرر نفس التحذير مرة ثانية [كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ»] لو 5:13
فيسوع المسيح لم يكن رجلاً سياسياً, يُماين (يلعب) بالحق, صامتاً عن أعلان حقيقة زيف منهج العالم السياسي, فقد أبعد يسوع أبائنا الرسل عن منهج الحياد المدمر لكل صلاح, لذا فكل من عرف يسوع, عاش بلا حياد, شهيداً لأعلان الحق!!
+ حقاً هناك شيطان يسكن المنهج السياسي الصامت المحايد, هو سبب كل الحروب والقتل وإراقة دماء الأبرياء الذكية, [وَحِينَ سُفِكَ دَمُ اسْتِفَانُوسَ شَهِيدِكَ كُنْتُ أَنَا وَاقِفًا وَرَاضِيًا بِقَتْلِهِ، وَحَافِظًا ثِيَابَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ.] أع 20:22, [أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، وَأَيْنَ تَسْكُنُ حَيْثُ كُرْسِيُّ الشَّيْطَانِ، وَأَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بِاسْمِي، وَلَمْ تُنْكِرْ إِيمَانِي حَتَّى فِي الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا كَانَ أَنْتِيبَاسُ شَهِيدِي الأَمِينُ الَّذِي قُتِلَ عِنْدَكُمْ حَيْثُ الشَّيْطَانُ يَسْكُنُ.] رؤ 13:2
+ [أَمَّا هُمُ الْمُجْتَمِعُونَ فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «يَارَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟»] أع 6:1, [فَالْتَفَتَ وَانْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا!] لو 55:9, [لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ»] أع 8:1, أمين!!
+ وبهذه المسؤولية, الغير محايدة, الغير صامتة .. نتشارك معاً في جزء بسيط جداً من تاريخنا …
+ من قام بالتحذير .. أثناسيوس الرسولي, أم آريوس الهرطوقي؟!
+ من أشعلها ناراً .. القديس كيرلس الكبير, أم نسطور البطريرك الهرطوقي؟!
+ من أعلن زيف عقيدة الطبيعتين والمشيئتين .. البابا القديس ديسقورس, أم البابا الخلقدوني لاون بطريرك روما؟!
البابا ديسقورس هو أول من حذر وأعلن زيف ورياء عدد كبير من الأساقفة المحايدين الصامتين .. الذى بلغ عددهم ستمائة وثلاثين 630 أسقف خلقدوني, ومن أجل جرائته وشجاعته في أعلان الحق, قام الملك والملكة بضرب القديس ديسقورس على فمه ونتف شعر لحيته!!
+ القديس “بوتامون” فقد أحد عينيه في جهاده ضد الأريوسيين, من أجل مبادرته في كشف زيف عقيدة آريوس, الذى قد شهد له أثناسيوس الرسولي بإنه شهيد مزدوج، إذ شهد للحق أمام اضطهاد الوثنيين والأريوسيين معاً, ومن أجل مبادرته لكشف الضلال والخداع تعرض القديس لعذابات كثيرة، خلالها فقد أحد عينيه. وحُسب ذلك شرفاً له عندما حضر مجمع نيقية سنة 325م. حيث كان له الدور الحيوي ضد الأريوسيين, بمبادرته وشجاعته صار شهيد أعلان الحق الإلهي.
+ وهل من المعقول أن السارق يكون محذراً وناقداً!! فلو حذر ما تمت سرقته!! لذا لا بد أن يكون صامتاً مداهناً بالكذب والخداع حتى يتمم سرقته بنجاح!!
ونعود لنسأل … هل الأخوة البروتستانت يبشرون الخارجين عن الكنيسة؟ أم إنهم يسرقون أولاد الكنيسة!! فكيف يسرقون أبناء ويعيبون في الآباء!! فلو فعلوا هذا ما تمموا سرقتهم!!
فلنكتفي الآن بهذا المنطق البسيط … لعله يكون كافياً … لأنه لدينا الكثير من الأعتراضات على مفهوم “العلاقة الكيانية بالمسيح”, يجعل من غير اللائق تجاوزها!
لذا سنحاول عرضها بأختصار ووضوح المرة القادمة … حتى نستطيع أن نكمل قراءة تاريخ علاقتنا بالمسيح, بتحليل تاريخي لكارثة الإصلاح البروتستانتي, لنتحفظ من تكرار ذات الخطأ, الذى أدى إلى كارثة عصر جُمدت فيه أرواحنا وأخلاقنا, بتخاذل مشين للجميع في أعلان الحق, عصر تعبد ساجداً للذى ظهر في صورة ملاك بلا تميز, ووضع أعماله المخزية في الحياة الأنجيلية!!
Share this content:
إرسال التعليق