(5) مثالية الجديد وهوان ضعف القديم!
بحث واقعي
لحقيقة واقعنا الكرازي المعاش والمبادئ المثالية
المعطي الخامس:
مثالية الجديد وهوان ضعف القديم!
سؤال: ــ يرى البعض إنه من التجاوز أن نأتى بمثال من الثقافة الوثنية كـ “جلجامش” عندما نتحدث عن الحياة المسيحية الجديدة!!
+ نعم … لابد لنا أن نبدأ من وثنية العهد القديم, مجال الكرازة الأول لدعوة الخلاص والتجديد, فالمجتمع الوثني القديم هو عمق عمل الكرازة المسيحية وإنشغالها بلا منازع, ولو كانت الكرازة في انطلاقها الأول تجاوزت الثقافة الوثنية لفشلت فشلاً ذريعاً في المهمة الموكلة لها من الرب, فلو أهملت الكنيسة الأولى العهد القديم بتعاليمه الوثنية وأفكاره الرجعية التي لا تتناسب مع عهد النعمة والخلاص, لتبشر بمثالية نعمة الكرازة الجديدة التي تفوق بكل تأكيد إمكانيات العهد القديم … للفظها القدماء الوثنيون أنفسهم وأَعْرَضُوا عنها منذ اللحظة الأولى, وأشاحوا عنها وجوههم, لينصرفوا لحياتهم كما أعتادوها, لتموت الكرازة في مهدها الأول بلا أمل في أستمرارها!!
لذا فآباءنا الأولون الحكماء بحكمة السماء والأرض, قد أحترموا الأفكار القديمة الأولى المكونة للمجتمع الأول للبشارة المفرحة … بلا تسفيهٍ لها وأهانةٍ لشأنها, وبلا إنقاصٍ من جديتها, بل إنهم قد مدحوها في كثير من جوانبها دون خفّة عقل بمنطقها الرجعي القديم, ودون إنكاراً لأهميتها كمكون واقعي حياتي للمجتمع الكرازي, إلا إنهم شرعوا في البناء عليها لتكميلها, فهي ليست بالضرورة خاطئة إلا إنها من المؤكد تحتاج لتكميل حجر الزاوية وحيد الجنس!!
أع 17: [22 فوقف بولس في وسط اريوس باغوس وقال:«ايها الرجال الاثينويون! اراكم من كل وجه كانكم متدينون كثيرا، 23 لانني بينما كنت اجتاز وانظر الى معبوداتكم، وجدت ايضا مذبحا مكتوبا عليه:«لاله مجهول». فالذي تتقونه وانتم تجهلونه، هذا انا انادي لكم به. 24 الاله الذي خلق العالم وكل ما فيه، هذا، اذ هو رب السماء والارض، لا يسكن في هياكل مصنوعة بالايادي، 25 ولا يخدم بايادي الناس كانه محتاج الى شيء، اذ هو يعطي الجميع حياة ونفسا وكل شيء. 26 وصنع من دم واحد كل امة من الناس يسكنون على كل وجه الارض، وحتم بالاوقات المعينة وبحدود مسكنهم، 27 لكي يطلبوا الله لعلهم يتلمسونه فيجدوه، مع انه عن كل واحد منا ليس بعيدا. 28 لاننا به نحيا ونتحرك ونوجد. كما قال بعض شعرائكم ايضا: لاننا ايضا ذريته. 29 فاذ نحن ذرية الله، لا ينبغي ان نظن ان اللاهوت شبيه بذهب او فضة او حجر نقش صناعة واختراع انسان. 30 فالله الان يامر جميع الناس في كل مكان ان يتوبوا، متغاضيا عن ازمنة الجهل. 31 لانه اقام يوما هو فيه مزمع ان يدين المسكونة بالعدل، برجل قد عينه، مقدما للجميع ايمانا اذ اقامه من الاموات».]
هنا نرى الرسول بولس الحكيم يمدح جدية إيمان الوثنيين! بل ويستشهد بأقوال شعرائهم الحكماء, ليبني كرازته على واقع حياتي موجود بالفعل, وليس أساساً وهمياً, حتى ولو كان وثنياً! ليقدم لهم المسيح صاحب وصانع الجديد الفاخر, فلا وجود لنبتة الجديد دون جذور القديم مهما كانت رؤيتنا لأصولها ولحالتها الحضارية الرجعية, وهكذا صار بولس الرسول كالوثني ليربح الوثني!!
ويأتي هنا السؤال المنطقي التالي:
سؤال: ــ هل يليق بمثالية الجديد الفاخر أن يكون له جذوراً ممتددة إلى هوان ضعف القديم؟!!
+ نعم هذا يليق … لأنها إرادة الله الخالق بأرجائه للتجديد الشامل إلى أجل غير معلوم, لا نعلمه نحن لابسي الجديد الفاخر, فموت الإنسان العتيق ـ إنسان الخطية ـ في المعمودية لم ينهي على كافة الجذور القديمة! لذا فنحن ننتظر التكميل فداء أجسادنا! حتي إن عظامنا المائتة القديمة أيضاً ستقوم من القبر لتتغير وتلبس المجد والقوة, فلا هلاك للإنسان القديم في حاضرنا الواقعي الجديد المعاش, بل له كل التجديد بمقتضى قوة خلاص العهد الجديد, فالله كلي الصلاح القادر على كل شئ, لا ينسى ولا يهمل العهد القديم ولا يُنَحِيه جانباً, ولا يُهلك ولا تَهلك صنعه يديه القديمة مهما قيل عنها من رجعية ووحشية, لأنه قادر على تجديدها وتَغيرَها وحفظها من الفناء والعدم, بالرغم من إنه قد كونها وخلقها من العدم! لأنها أرادته الصالحة في التجديد الشامل لكل الخليقة قديمها وحديثها معاً.
سؤال: ــ هل يمكن لنا أعادة تقييم التاريخ القديم على أساس من معطيات الحاضر الجديد؟ فنرفض منه ما نرفض, ونقبل ما نقبل .. إن تبقى منه شيئاً صالحاً؟!
+ لا يمكننا هذا على الإطلاق, لأن التاريخ حيّ فينا بصورة ما, بكل أحداثه الماضية التي لا يمكننا العبث بها فنغيرها على أساس من منطق حاضرنا وثقافته المتطورة وفلسفته النامية, وهذا بالضبط يماثل عدم إمكانية تغييرنا لحماقات الصبا الماضية, ولا يسعنا سوى قبولها بكل ما فيها, والإذعان لوجودها في مصابيح الذاكرة المؤلم أحياناً, لتعمل خبرتها المنذرة كجرس أنذار بعدم تكرارها.
أما إن حاولت أن تتجاوز أحداث العهد القديم الماضية المؤسفة أحياناً بنسيانها, وحذف أدوات عملها الحاضرة في زماننا كخبرة حية لشركة وحدة جميع الصديقين والقديسين في الجسد الواحد, فإن تجرأت على التملص من نسب شركة خبرة الماضي لحاضرك المعاش! فأعلم بأنك وفاقد الذاكرة سواء!!
(يتبع … لأنه مازال هناك الكثير من أسئلة ظلم القديم الذي تجدد).
——————————-
كيف يسقط واقع الكرازة بمثالية تجاهل نمو حياتنا في المسيح يسوع
الواقع والمبادئ (6) سقوط واقع الكرازة بوهم مثالية الجديد!
↓↓ أضغط على الصورة ↓↓
Share this content:
إرسال التعليق