(3) نسبية حياتنا وإطلاق الحياة الأبدية
بحث واقعي
لحقيقة واقعنا الكرازي المعاش والمبادئ المثالية
المعطى الثالث:
نسبية حياتنا وإطلاق الحياة الأبدية!
– هل الحالة المطلقة التي لأحكام الحياة الأبدية, تضر بنسبية واقع حياتنا الروحية؟ وإرتقائها المستمر؟
بلا أدنى شك .. بأن التعارض الفلسفي المنطقي قائم وواضح وصريح بين الحياة الأبدية بكمالها الإلهي وبين حياتنا الروحية الزمنية النسبية النامية, إلا أن هذا التعارض يختفي تماماً حينما تقرأ سير قديسينا وشهدائنا, فلن تجد ثمة أي تعارض بين حياتهم الروحية النسبية في نموها وإرتقائها المستمر, وبين حياتهم الأبدية المطلقة التي لهم في المسيح يسوع!
إلا أن عصرنا المنكوب بفلسفة حمَىَ الإصلاح قد فصل بينهما, فقد قرر الإصلاح في القرن السادس عشر الأعلان الرسمي عن الفصل بين الإيمان والأعمال! على أساس عدم تجانس طبيعتهما المطلقة والنسبية, فالأفاق السمائية الغير محدودة لواحدة, تتعارض مع حدود الزوال والتغيير والإنحلال للآخرى! والكثير أيضاً من المقولات الفاصلة المانعة, التي فصلت الرفيقين وجعلت منهما متضاديين, ومنعت الرفيق الثقيل “الجسد” من النمو والإرتقاء, وأيضاً من تلك الكلمات الغادرة بحياتنا الكثير والكثير, منها على سبيل المثال وليس الحصر … مجانية العطية الإلهية! والإنسان هو المديون دائماً لله وليس الإله! فالله قد فدانا بصلاحه وليس بحسب صلاحنا! لأن الله كامل في صلاحه, أما الإنسان فأعماله للموت والفناء! الأعمال الصالحة لا تقدر أن تخلص الإنسان! … إلخ من كلمات منهج الفصل والتجزئة والبتر!
ونحن هنا لا نعترض على هذه التعبيرات في منطوقها اللفظي التعبدي, بل على النتيجة المرعبة المستخلصة من هذه الكلمات المبتورة من سياقها الحياتي الأختبارى, وهذا يتضح من التمادى الغير واعي الذى أدى لأحتقار نسبية العمل الإنساني بالمقارنة بكمال العمل الإلهي واطلاقه. وكأن حال لسانهم يصرخ: “تروح فين يا إنسان بعملك الحقير, في مقابل عمل الله الغير محدود المستمر في فاعليته للأبد؟!” وكأن الإصلاح هو جعل الإنسان العامل بالروح النشيط … كسولاً! وكأن الله لا يستطيع أن يعمل إن عمل الإنسان! وكأن الإصلاح المراد هو أن لا يعمل الإنسان شيئاً, ليتحول إلى جماد الأشياء, كراديو كسول مستقبل فقط للعمل الإلهي!
وإن كانت الحياة الأبدية هي وجهة حديثنا اليوم, فإن الكم الهائل من أقوال آبائنا العظام عنها, يجعلنا نقف بأتضاع تجاه ما قد كتبوه, مقدرين مفتخرين بحروف كلماتهم التي تضمنت عمل حياتهم وسلوكهم الروحي في أنسجام مبدع مخجل لتقصيرنا, فإن هممت بقرأة سير الأباء فلن تشعر باي فصل بين ما قد رجوه في تكميل فداء أجسادهم, وبين واقعهم السلوكي اليومي النسبي المتنامي كل لحظة لكمال الحياة الأبدية.
إلا إننا سنختار طريقاً جديداً لنؤكد ونبرهن بإن تقليل الإصلاح المتعسف من أهمية الأعمال للحياة الروحية, والذي قد أدىَ بالفعل إلى أحتقار عمل الإنسان بالنسبة للإيمان بالله, فكر روحي تعسفي غير ذكى على الأطلاق! قد هبط بنا من مستوى البشر وحسب, ولم يصعد بواقعنا لمستوى المثالية الإلهية!
ولكي نحقق ذلك بحيادية تامة, علينا بالعودة لقانون تطور الحياة العام لما قبل المسيح! لنتدارك الكيفية التي نمت وتتطورت بها حياة الإنسان من الحضيض إلى الحضارة الراقية. لنحافظ على أدوات نموها مستمرة باقية بفاعليتها, لنضمن الأستمرارية للتقدم والتطور لكنيستنا بلا حائل, وبلا مانع فلسفي مثالي يلبس عمامة الإصلاح اللاهوتي.
فقد أردنا منذ بداية الأمر أن يكون بحثنا بحثاً لاهوتياً واقعياً يمس الكرازة من أعماقها, ومن أطراف أندماجها بواقع حياتنا, وقد أثرنا الواقعية هرباً من مدارس اللاهوت المختلفة والمتعارضة في كثيرها, وإيماناً منا بأن واقع الكرازة ألصق لطبيعة الإنسان من أي شرح تعليمي لاهوتي مهما كان!!
لنتعرف بلا مانع عن ماهية جبلة الإنسان. ليتثنى لنا الحكم العادل على طبيعة الإنسان بلا مؤثرات, وفهم مقوماتها, وأساس خلقتها, والتقدير الواجب لسلوكها, وكيفية نموها وأرتقائها, بدون التأثر بقوانين اللاهوت المسيحي, ومدارسه المختلفة, وإصلاحاته المبتدعة المختلقة للفرقة والتقسيم!
إذاً علينا التعرف على الإنسان كما خلق أولاً, وكما أستطاع أن ينمو ويتطور بأدوات لابد لنا أن نتعرف عليها, لنبقي عليها في مجال عملي نشط من حياة كنيستنا, لتكون دائماً فعالة مشتعلة دون إخماد لنيرانها التطورية, فكما كان .. هكذا لابد له أن يستمر .. ليكون دائماً! وضرورة التعرف على أصول نشأة الإنسان وتطوره هامة جداً, لأن أصول الخلق أكمل تكويناً من أي إصلاح لاهوتي مزعوم!!
فطبيعة الإنسان عصية على عشيرة الإصلاح الألماني لأصلاحها وتغييرها, فعشيرة الإصلاح كبيرة إلا أن نبتتها الأولى كانت من ألمانيا الصديقة! فهو بالحق بلد منجب للكثير من الإصلاحيين حتى على المستوى السياسي, فقد باغتتنا ألمانيا فجأة بميلادها المصلح “هتلر“ موحد العالم كله تحت قيادة واحدة! ……. وللآسف ذات حمى الإصلاح التوحيدي يجتاج الجميع الآن! (يتبع)
———————————
تابع تداعيات رفض أبدية خلود الأعمال في حياتنا
↓↓ أضغط على الصورة ↓↓
Share this content:
إرسال التعليق