المصطبة الإلكترونية!! “1″
هذا المقال يشكل تحذيراً لطيفاً إلى الفيس بوكيين, وأمثالهم الذين ينشرون عن تاريخنا وأبائنا بلا توثيق لمصادرهم.
لذا فنحن نتسأل بدورنا:
هل يُكتب تاريخنا على المصطبة الألكترونية؟! (الأنترنت)
أن هذا السؤال هو الأكثر ترديداً فى أذهاننا جميعاً, المتأرقة بخيالات عدم أستقرار تعليمنا اللاهوتى, والتهديد الواضح لأختبارنا الحياتى الجماعى, الذى عشناه ولمسته أيدينا بالتسليم الرسولى, الذى آل إلينا من أباء كنيستنا المجاهدة الصابرة, والتى كم نرجوا لها – جميعاً – التقدم الروحى والأزدهار والأستقرار, والعمل الأختبارى النافذ لكل عائلة ولكل فرد فى كنيستنا.
– فهل يتحقق هذا الأستقرار المنشود مع عصر الأنترنت؟!
– بل هل يتحقق مرادنا مع سرعة تبادل المعلومات بدون أدنى مراعاة لتوثيق مصادرها أو التأكد من إنسجامها العام وعدم نشوذها؟!
إنه سؤال هام ولكى نحسن الإجابة عليه علينا ان نعود إلى بعض الرؤى المتخصصة فى هذا الأمر.
ويلزم الأمر تقسيم الدراسات الخاصة بأثار الإنترنت على حياتنا إلى دراسات عربية وأخرى أجنبية, ليأتى بحثنا المتواضع هذا متناسباً مع الخصوصية الشرقية, ولا يمكننا فى ذات الوقت تجاوز البعد الغربى بعالميته, الذى يعتبر المصدر والمنشئ الأساسى لهذا المصاب العظيم.
النظرة الخاطفة الأولى هى: للدراسات العربية:
أولاً: دراسة عدنان العتوم:
أن وجود شبكة الأنترنت قد أفقدت المؤسسات التربوية التقليدية, التى كانت مسؤلة عن تنشئة الأنسان, كثير من وظائفها وأهميتها. فقد أصبح الأنترنت مصدراً أساسياً في عملية التنشئة, مما يتطلب دوراً إضافياً أساسياً من قبل الأسرة والمدرسة والدولة في ضبط مضامين ما تحمله شبكة الأنترنت, للتأكد من ضبط الجانب السلبي الذي يمكن أن تحمله تلك المضامين من خطورة على أستمرارية أسرنا فى التنشئة السليمة.
وهذا هو ما قد قدمه لنا الدكتور عدنان العتوم – أستاذ علم النفس الأجتماعى فى جامعة اليرموك, فى دراسة رائعة له عن الأثار السلبية للأنترنت, فهو يؤكد تراجع دور الأسرة والمدرسة, المؤسستان الأهم فى تربية النشء.
وذات الأمر بالضبط هو الواقع بالنسبة لكنيستنا, فإن أردنا تجنب الأثار السلبية التى يحدثها الإنترنت أو تحجيمها على الأقل وتقنينها, علينا التركيز لتفعيل دوراً إضافياً لهاتان المؤسستان: الأسرة ….. المؤسسة المسيحية الأعمق والأهم, ومن الجانب الأخر كل مؤسساتنا التعليمية الأخرى التى تشمل مدارس الأحد وكل مؤسساتنا التعليمية الأخرى.
وكلنا نعرف بأن هاتان المؤسستان هما اللتان تضلعان فى تشكيل تاريخ كنيستنا, فى ضبط صحة معايير التسليم للأجيال القادمة.
فماذا نحن فاعلون أمام تراجعهما أمام قوة وحش العصر “الأنترنت”!!
وقد قدم لنا الدكتور عدنان, دراسة دقيقة أوضح فيها تأثير الأنترنت على الجوانب الأجتماعية والنفسية, وأكد على أن ثورة المعلومات والأتصالات وأنتشار الأنترنت في البيوت والمؤسسات والمقاهي, تعد ظاهرة تستحق الاهتمام والدراسة لمعرفة أثارها الأجتماعية والنفسية, لأنها بكل تأكيد تترك أثاراً سلبيةً في الكثير من الجوانب الأخرى العديدة. فأستخدام الأنترنت أصبح بديلاً للتفاعل الأجتماعي الصحي مع الرفاق والأقارب, وأصبح هم الفرد قضاء الساعات الطويلة في أستكشاف مواقع الأنترنت المتعددة, مما يعني تغيراً في منظومة القيم الأجتماعية للأفراد حيث يعزز هذا الأستخدام المفرط القيم الفردية بدلا من القيم الاجتماعية, وأستبدال قيم العمل الجماعي المشترك الذي يمثل عنصراً هاماً في ثقافتنا, بقيم أخرى فردية ذاتية أنانية غير متعاونة وغير باذلة من أجل الأخر.
قال سميح كميل 27 عاما “أنني استخدم الانترنت بشكل يومى وعلى مدار ساعتين كحد أدنى”, مبيناً بأن للأنترنت تأثيراً على علاقاتنا الأجتماعية. فالوقت المخصص لعلاقته مع أهله في البيت ومع اصدقائه قل تدريجياً, ويقضيه بالمقابل على جهاز الكمبيوتر!”.
أما ميرا فريد غطاس 20 عاما قالت أنني أستخدم الأنترنت بشكل شبه يومي وأتابعه الى أكثر من ثلاث ساعات, وهناك عدد كثير من صديقاتي يستخدمن الكمبيوتر حوالي 7 ساعات يومياً!! وأعتقد بانه ليس هناك فائدة مرجوة من ضياع كل هذا الوقت, وبالتالي فهو يؤثر سلباً على علاقاتهن الأجتماعية, وأنا أعتبر ذلك تضييعاً للوقت وهدراً للمال, كما يؤثر سلباً على دراستهن وعلاقاتهن مع الأهل والأصدقاء.
وفيما يبدو أن حال أولادنا الآن قد تدهور كثيراً عن كل ما ذكره كميل وميرا فى تلك الدراسة, التى لم تتصور وتتخيل الحال الذى وصلنا إليه!!
ثانياً: دراسة الصالح ورحال:
فقد أشارت إلى خطورة التحديات المعلوماتية التى للأنترنت, فهى تنذر بمخاطر العزلة الأجتماعية, التى تفصل الفرد عن مجتمعه وقيمه ومبادئه, لينفتح بسرعة على عالم جديداً مغايراً, ليس له به خبرة حياتية حقيقية, لأن الأنترنت لا يسمح بتواجد مثل تلك الخبرات الحقيقية, فينزلق المستخدم بعقله لخبرات الأخرين, التى تشكل – بالنسبة لواقعه هو – الحلول الوهمية الغير حقيقية, فيصاب بدهشة مخدرة للوعى, فيتقبل ويتبنى بلا تمحيص ثقافات غير مناسبة وغير متواكبة مع حياته الأسرية والأجتماعية, فيدمرهما بأنزلاق عاطفى غير عاقل, يجعله لا يختبر بروية موضعاً ثابتاً لقدميه, فيدمر ما تبقى له من حياة حقيقية!
ثالثاً: دراسة هيكل:
أكدت على دور التربية فى المنزل, للحفاظ على أساسيات حياتيه هامة, تشكل العامل الحقيقى المنشئ لحياة ناجحة لأولادنا.
رابعاً: دراسة زيادات:
فقد أكدت على خطورة عدم تطابق المعلومة المستقاة من الأنترنت مع الواقع المعاش.
أليس هذا هو بمثابة تحويل الحياة الروحية إلى مجرد كلمات فلسفية جوفاء, وحروف متناثرة بلا معنى حياتى تطبيقى يعاش ويختبر, فيشقى الأنسان بحياته بدلاً من أن يسعد بها. أليس هذا هو سر ضعف الكنائس فى كافة أرجاء المسكونة فى العصر الفيس بوكى الحديث.
خامساً: دراسة العتوم:
هدفت هذه الدراسة لتحديد معنى الإدمان على الكمبيوتر. فخلصت إلى الكثير من الأجراءات التى يجب تنفيذها لنساعد أولادنا على التخلص من أدمان العصر. وليس المجال مناسب لذكرها الآن كاملةً.
إلا أننا نستطيع أن نخلص إلى نتيجة هامة فى محاولة منا أخيرة, للحفاظ على مجتمعنا الكنسى من الأنزلاق إلى بشاعة تشوه المجتماعات الأستهلاكية. فالأستهلاك يبدأ دائماً بالأنعزال عن الجماعة, ليأكل الفرد منا فى طبقه الخاص به وحده, الذى لا يشاركه أحد فى محتوياته. فيتلاشى سلطان الجماعة على ما نعتقد تدريجياً, وهذا لا يؤدى للحرية كما يتوهم البعض, بل سيؤدى للأنعزال والتوحد, وإلى تفتيت ما قد تسلمناه من مجد, بدعوى باطلة تدعو للتحرر من كل شئ, وهذا هو الوهم والخداع بعينه, فتتقلص نفوذ الجماعة تدريجياً بخبراتها وتاريخها وقوانينها, فتتفكك مؤسساتها فتضعف وتنحل وتتبدل إلى ما لا نعلمه, هذه هى خطة الشيطان لخراب العالم بتفكيك الكنيسة المصلية دائماً من أجل خلاص العالم!
وهذا هو بالضبط ما نختبره جميعاً فى فرديتنا المؤلمة لنا. فالأنسان يفقد عقله وحكمته إن أنعزل وعاش بصورة وحيدة, وللأسف فهذا الخراب الحياتى هو ما يحققه الأنترنت, وهذا ما عبرت عنه أمثالنا الشعبية برقة وعذوبة دقيقة هكذا: الجنة من غير ناس ما تنداس!!
(يتبع)
Share this content:
3 تعليقات