(2) الأم شَجَاعة
بحث واقعي
لحقيقة واقعنا الكرازي المعاش والمبادئ المثالية
المعطى الثاني:
الأم شَجَاعة ومبدأ حياتها المثالي
– ماذا يحدث لنا عندما نفشل فى تقدير واقعنا, ونتبنى افكار مثالية وحسب؟؟!!
وقد أجاب على هذا السؤال الأديب الفليسوف “برتولت بريخت“ بمسرحيته الخالدة “ Mother Courage and her Children “ أو “الأم شَجَاعة وأبنائها“ 1939م, وهذه الأم الشُجَاعة هي أم مثالية ترعى أبنائها في ظروف الحرب الصعبة جداً, فتتمسك بمبدأ تجارتها الشريفة للجنود, لتكسب قوت أولادها بعرق جبينها في زمن الحرب الدائرة, فيموت أبنائها الثلاثة, لتفقد كل شئ في النهاية البائسة.
وقد مدح الكثير من النقاد مسرحية “بريخت“, فقد رأى الكثير منهم إخلاص الأم شَجَاعة لأبنائها المجاهدة المتمسكة بمبدأ ورسالة حياتها الخاصة وهو رعاية أولادها, حتى ولو كان تَرزُقهَا من الجنود والحروب الدائرة في بلدتها, وما قد رأه النقاد المثاليين في سلوك الأم شَجَاعة, كان عكس تماماً ما قصده المؤلف نفسه من مسرحيته!!
فقد أراد “بريخت“ أن يظهر الأم شَجَاعة كمخطئة لعدم إدراكها الأوضاع الواقعية التي كانت هي وأبنائها يمرون بها, فهذه الأم الموصوفة بصفة مثالية “الشَجَاعة“ قد فقدت أبنائها الثلاثة بسبب عدم مقدرتها على تفهم حقيقة الظروف التى تمر بها, وتمسكها المثالي بمبدأ حقها المحمود في العيش والتربح ورعاية أولادها, فتخسر كل شئ في النهاية لآنفصالها عن الواقع, بأنسياقها الأعمى وراء مبدأ شريف يوجب ضرورة الترزق والعيش حتى وإن كان من الحرب والجنود. وهي في هذا الإنزلاق الفكري المثالي قد حققت المقولة المأثورة “لآرثر شوبنهاور“ (من النادر أن نفكر فيما نملك، بل نحن نفكر فيما ينقصنا!) فقد فَكَرت في الخبز الذي ينقصها, ففقدت أعز ما تملك!!
والسؤال المنطقي الآن هو: هل يمكن أن تتعارض الحقيقة والواقع مع المبادئ المثالية؟
نعم يمكن ذلك, وبصورة مخادعة للعقل أيضاً, فالمبادئ هي أطارات فارغة لابد لها أن تُملأ بفاعلية عمل الخير, والجهد المنحاز للواقع, والبعد عن الشر وشبه الشر, فأي خير واقعى وأستفادة حقيقية كانت للأم شَجَاعة في أستمرارها في أجواء الحرب وإضطراباته المتباينة بأبنائها لتضمن لهم خبزاً, لتقع في نهاية الأمر فريسة للأطار المثالي الفارغ من العطاء, ليأخذ فلزات كبدها بلا رحمة وبلا عودة! وبلا أمل لها أيضاً في حياة هادئة من بعد!
الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية وغيرها من متطلبات حضارة شبابنا المعاصر, ما هي إلا مبادئ فارغة لابد لها من أن تُملأ بصلاح الأختيار الواقعي وقوة العمل والهدف النامى للحياة المقدسة, التي تحمي الجميع الصالحين والفاسدين معاً, وإلا صارت حرية تعاطي المخدرات, وحرية القتل للخصم المخالف, من مطالب الحرية المطلقة المثالية!!
وهذا بأختصار هو ما قد حل بكنيستنا العالمية في مصيبة الأصلاح الثوري في القرن السادس عشر, الذي قد كرس أطارات مثالية فارغة كثيرة جداً لمبادئ محمودة وشعارات مطلوبة, مُلأت فيما بعد بما يخالف المسيح والحياة السمائية! (يتبع)
——————————
وكتطبيق … يجب ملاحظة التعارض الفلسفي بين نسبية حياتنا وإطلاق الحياة الأبدية
الواقع والمبادئ (3)
↓↓ أضغط على الصورة ↓↓
Share this content:
إرسال التعليق