×

حبة الحنطة (1) – الأب متى المسكين

حبة الحنطة (1) – الأب متى المسكين

حبة الحنطة(1)

في الإرشاد الروحي

الأب متى المسكين

إن لم تقع حبة الحنطة فى الأرض وتمت فهى تبقى وحدها” 

يوحنا 12 : 24

10701997_10152827418524717_8977196115317355873_n-7 حبة الحنطة (1) - الأب متى المسكينقال المسيح لليونانيين قبل الصليب، مثل حبة الحنطة ثم بدأ يشرحه:
يوحنا: من يحب نفسه يهلكها ، ومن يبغض نفسه فى هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية (يوحنا 12 : 25)

مرقس: من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلى ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها (مرقس 8 : 35)

متى: من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلى يجدها (متى10: 39)
لوقا: إذكروا إمرأة لوط. من طلب أن يخلص نفسه يهلكها ومن أهلكها يحييها (لوقا 17 : 32 – 33)

النفس موضوعة بين الجسد والروح، كما يقول مارإسحق، فهى إما تتحد مع الجسد وتتعاطف معه ضد الروح، وإما تتحد مع الروح وتتعاطف معه ضد الجسد. وهكذا تكون النفس إما جسدانية وإما روحانية, لأن الكتاب يقول:

إن الجسد يشتهى ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون. (غل17:5)

النفس هى القاعدة التى تصدر عنها العواطف, والتى تحوى الحياة الجسدية. الروح هى القاعدة التى تستقبل التأثيرات الروحية وتعبر عنها، والتى تتصل بالله وتحبه.

نحن مطالبون أن نجعل النفس تنحاز للروح حتى يكون لها حياة أبدية، وإلا فإنها تهلك إذا إنحازت للجسد، أى تحرم من الحياة الأبدية.

الجسد من التراب وإلى التراب يعود ويموت, لذلك يقول الكتاب إن: “إهتمام الجسد هو موت. وأيضاً: إن عشتم حسب الجسد فستموتون. (رو13و6:8).

الذى يلتصق بالفانى يفنى, والذى يحمع حوله الفانيات سيفنى معها.

الروح التى فى داخل الإنسان هى نفخة من الله, وهى التى تجعل الإنسان نفساً حية ذات جسد حي.

بالمعمودية يتم الميلاد الجديد للإنسان, المُسمَّى بالميلاد من فوق (لتفريقه وتمييزه عن ميلاد الجسد), ويتم بحلول الروح القدس داخل الروح واتحاده بها, فتصير روح الإنسان متحدة ومتصلة بالله, لذلك يُسمَّى الإنسان المعتمد للمسيح مولوداً من الله. ويُعطَى سلطاناً أن يُسمَّى إبناً لله. هذا السلطان هو بقوة يسوع المسيح وهو قوة التبني, القوة التي تهبنا حياة التبني لله, والسلوك بالروح حسب وصايا المسيح, والذي يلتصق بالله وينحاز إليه يحيا معه إلى الأبد.

الإنسان المعمَّد, أي المولود من الماء والروح, أي المولود من الله, محسوبٌ أنه مولود من فوق, وهو مدعوُ بعد المعمودية ليبدأ حياة حسب الروح, في حين أنه يعيش بالجسد أيضاً.

الجسد بشهواته وغرائزه مخلوق أصلاً على غير فساد, ومُهيأ ليخضع لقانون الروح وينضبط بالروح دون أن يفقد شيئاً قط من شهواته وغرائزه الطبيعية، بل على العكس إذا خضع الجسد للروح وإنضبط بقيادة الروح, فإنه يصير جسداً كاملاً ومتزناً, ويُزكَّى لحياة أهدأ وأطول وأسعد (حسب الجسد).

ولكن نظراً لأننا نبدأ حياة الروح بالميلاد الجديد كبداية من الصفر، حيث يكون الجسد قد عاش مدة طويلة بدون ضبط وقيادة من الروح، وتكون شهواته وغرائزه قد خرجت عن مستواها الطبيعى، وحيث يكون الإنسان قد عايش الخطية وقَبِلها فى كيانه كله, بل واتحد بها زمناً طويلاً (والخطية فى طبيعتها هى جسدية ونفسانية وتقوم أصلاً على تعدَّى وصايا الله وبغضة أى قانون روحى يحد من حرية تلذذ الجسد وكبرياء النفس)، لذلك أصبح بدء الحياة الروحانية بعد الميلاد الجديد بمقتضى قوة العهد الجديد التى هى الروح القدس وتحت قيادته, أمراً غير مريح للجسد, ومكروهاً لدى النفس التى تكون قد اتحدت مع الجسد وانحازت مع الجسد وإنحازت لكل غرائزه وشهواته واستمدت منه كبرياءها وحريتها.

وعند هذا الحد المتصارع بين الروح فى الإنسان الجديد المولود من الله والمتحد بالروح القدس، وبين الجسد المتمرد والنفس المنحازة له فى الإنسان العتيق، يبدأ الإنجيل يضع الوصايا والخطوات العملية لتحرير روح الإنسان الجديد من سطوة الجسد وتحالفه مع النفس، هذين اللذين يكونان كياناً معاً كياناً واحداً متحداً هو كيان الإنسان العتيق، إنسان الخطية والشهوات والغرور والحرية الكاذبة حيث تكون فيه النفس هى مركز كل اهتمام الإنسان أى مركز تفكيره وعمله وحبه وبغضته وحزنه وفرحه وسلامه وخوفه ومجده وحتى عبادته!!

فهو يعمل لتمتدح نفسه، وإذا لم تمتدح نفسه يكره العمل.

وهو يحب لأن نفسه نالت رضاها ومسرتها وكرامتها وهو يبغض لأن نفسه لم ترتاح ولم تكرم.

يحزن لأن نفسه قد جرحت وتألمت وفقدت مصدر سرورها وعطفها، ويفرح لأن نفسه نالت شهوتها ومجدها وملذاتها.

يشعر بالسلام عندما تأمن نفسه للظروف ويشعر بالخوف عندما تفقد نفسه أمانها.
يحارب ويفاوض ويسهر ويجتهد لتتمجد نفسه ويكسل وينام ويكف عن الجهاد والإجتهاد إذا لم يكن وراء ذلك مجد لنفسه.

يعبد ويصلى ويطيل الصلوات ويتقن اللحن والصوت وينشط فى أداء الفرض لتظهر نفسه قديسة وعابدة لتنال من الناس كرامة الإله، ويكف عن العبادة والصوم ويختصر الصلاة ويسرع فى التلاوة ويكسل عن آداء الفرض، إذا لم يكن هناك من يسمع ويشاهد ويمدح ويكرم تأله نفسه. لكى يمجدوا من الناس … قد إستوفوا أجرهم (مت2:6). (يتبع)

——————-

إلى الجزء الثاني من .. الإرشاد الروحي

حبة الحنطة

الأب متى المسكين

↓↓ أضغط على الصورة ↓↓

حبة الحنطة (2) – الأب متى المسكين

Share this content:

إرسال التعليق

You May Have Missed