ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا!
ارْكُضُوا لكَيْ تَنَالُوا!
الأصحاح التاسع من رسالة بولس الرسول الأولى لأهل كورنثوس
“24 أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ، وَلكِنَّ وَاحِداً يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا.“
إذ كان ذهن أهل كورنثوس مشغولاً بالمباريات الرياضية, لذا فقد استخدم الرسول بولس “من يركض في السباق“ و “من يلاكم“ ليوضح حاجة المسيحي أن يكون في ظروف صحية لائقة به من خدمة اللَّه. وكان في اليونان أربعة أنواع من دورات الألعاب الرياضية. في هذه المناسبات يجتمع الناس من كل أنحاء اليونان وتًعتبر فترة الدورة فترة احتفال شعبي مملوء بالمباهج:
1- يُحتفل بالألعاب الكورنثوسية أو اسيثموس Isthmian games في مكان ضيق بالبرزخ Isthmus في كورنثوس شمال المدينة، وهي بلا شك الألعاب التي يشر إليها الرسول عند حديثه عنها في هذه الرسالة.
2- الألعاب الـ Nemean كان يحتفل بها في Nemaea بمدينة ارجوليس Argolis أنشأها Argives تكريما لـ Archemorus الذي مات بلدغة ثعبان، وقام بتجديدها هيرقليس Herclues. وهي تضم سباق خيل وسباق مشي وملاكمة ووثب وجري الخ. وكان المنتصر يُكافأ بإكليل من شجر الزيتون، بعد ذلك إكليل من البقدونس الأخضر. وكان الاحتفال بها يتم كل ثلاث سنوات، ويرى البعض أنها كانت كل خمس سنوات.
3- الألعاب الـ Pythian يُحتفل بها كل أربع سنوات في Delphi بـ Phocis عند سفح جبل Parnassus، وكانت هذه الألعاب تجتذب الكثيرين حتى من خارج اليونان.
4- أما الدورات الأولمبية فكانت تمارس في أولمبيا، مدينة إيليس Elis علي الشاطئ الجنوبي من نهر الفياس Alphias في غرب Peloponnesus.
يرى بعض الدارسين أن استخدام تشبيه الألعاب الرياضية يتناسب مع تاريخ الرسالة واعتزاز أهل كورنثوس بها، مما يؤكد أن الرسالة أصيلة تعود إلى عصر الرسول وموجهة فعلاً لشعب كورنثوس.
كانت مدارس الرياضة أحد ملامح مدن اليونان الرئيسية, وكان كل طالبٍ يقسم بأنه يتدرب في إحدى هذه المدارس لمدة عشرة شهور علي الأقل، وأنه لن يكسر القوانين التي تعلمها فيها (2 تي 2: 5).
كان المشترك في هذه الألعاب يعيش بنظامٍ دقيقٍ للطعام ويمتنع عن شرب الخمر والأطعمة الشهية، ويتدرب علي احتمال الحر والبرد ويلتزم بنظام صعب.
فالمصارع يدرب نفسه ويضبط جسده لكي يبلغ أعلى مستوى في السباق. وواحد فقط يقدر أن ينال الجائزة، غالباً ما كانت إكليل من النباتات يوضع على رأس المنتصر. إنه إكليل يفنى. أما المؤمنون فإنهم إذ يدربون أنفسهم في سباق الحياة، فيستطيع كل واحد منهم أن ينال إكليل النصرة الذي لا ينحل.
يدرب الملاكم نفسه حتى متى واجه خصمه في حلقة الملاكمة يستطيع أن يوجه الضربة حسناً. وإن فشل في التدريب الحسن سيضرب بذراعيه يمُنة ويُسرى كمن يضرب الهواء. عندئذ يصير هدفاً صائباً من خصمه. هكذا يلزم أن يدرك المؤمن قيمة جسده لهذا لم يرد الرسول أن يكون كمن يضرب الهواء.
كان المشتركون في الألعاب والمسابقات يلتزمون بكامل حريتهم بالامتناع عن بعضهم الأطعمة حتى يتهيئوا للمعركة. فبالأولي من أجل الإكليل السماوي إن يمتنع المؤمن عن أكل ما ذبح للأوثان بكامل حريته واختياره.
أيضاً تنازلات الرسول السابقة ليست بلا هدف، فإن الراكضين في ميدان الرياضة يتعبون جداً لينال واحد فقط المكافأة؛ أما في ميدان الروح فينزل الكل إلى الميدان ويشتاق اللَّه أن يهب الكل المكافأة [آيه 24].
هنا يشير الرسول إلي سباق الجري قصير المدى [آيه 24] وحلقة الملاكمة [آيه 26و27]. وكانت السرعة في الجري تحسب أحد الهبات العظمي في حياة الإنسان. عندما رثي داود النبي شاول الملك وابنه ناثان قال عنهم: “أخف من النسور، وأشد من الأسود“.
+ الأب شيريمون [يشير الرسول إلى حرية إرادتنا بالقول: “هكذا اركضوا لكي تنالوا” (1كو 24:9)، ويشهد يوحنا المعمدان عن ضعفها (إرادة الإنسان) بقوله: “لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئاً إن لم يكن قد أُعطِي من السماءِ” (يو 27:3).] [1]
+ القديس يوحنا ذهبي الفم [النعمة دائماً مستعدة! إنها تطلب الذين يقبلونها بكل ترحيب. هكذا إذ يرى سيدنا نفساً ساهرة وملتهبة حباً يسكب عليها غناه بفيض وغزارةٍ تفوق كل طلبته.] [2]
+ القديس غريغوريوس أسقف نيصص [في الواقع الحديث هنا عن ميداننا لأجل نوال مكافأة عملنا السماوي، وينصحنا بولس أن نزيد سرعتنا. يقول: “اركضوا لكي تنالوا“. فإنه هو نفسه في حركة سريعة أراد يبلغ ما هو أمامه ناسياً ما هو وراء. كان بالحق مصارعاً سريع الحركة يلاحظ بكل دقةٍ مقاومة المضاد له. إنه مُسلّح بطريقة حسنة في آمان في كل خطوة يخطوها، لن يوجّه سلاحه الذي في يده ضد ظل فارغ، إنما يهاجم عدوّه بضرباته الحيّة التي يصوّبها على جسمه.] [3]
+ القديس غريغوريوس أسقف نيصص [كلما ازدادت مجهوداتكم من أجل التقوى تزداد نفوسكم عظمة خلال الأتعاب والمجهودات في الأمور التي يحثنا الرب عليها.] [4]
+ الأب فاليريان [ليركض بالحب ويجرى مع أناسٍ صالحين لكي ينال عطايا أفضل متطلعًا دومًا الي كلمات الرسول: “اركضوا لكي تنالوا“.] [5]
+ العلامة ترتليان [يمسحكم سيدكم يسوع المسيح بروحه ويُحضركم إلى الميدان.
إنه يصمم لفترة طويلة قبل يوم المباراة,
لكي يأخذكم من طريق الحياة السهل إلى نظام أكثر خشونة في الحياة حتى تزداد قوتكم.
يُعزل المصارعون لتداريب أقسى حتى تنمو قوتهم الجسمانية.
إنهم يحفظون من الحياة المترفة والأطباق الشهية والمشروبات المبهجة.
إنهم يحثون على الخضوع لأتعاب قاسية…
كلما تدربوا بمجهودات شاقة كان رجاؤهم في النصرة أعظم.] [6]
———————————-
“25 وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى.“
يُمنح الفائز في الألعاب الأولمبية إكليلاً من الزيتون، والـ Delphi إكليلاُ من التفاح، والكورنثوسية إكليلاُ من الصنوبر، والـ Nemean إكليلاُ من البقدونس.
ينال الفائزون الإكليل في آخر الدورة في احتفالٍ مهيب مع تهاني الكثيرين وفي جوٍ من الفرح الشديد. وكان الكل يشتاقون أن يروا الفائزين ويهيئونهم. كان الأقرباء والأصدقاء يحملونهم علي أكتافهم لكي يراهم الجميع، ويسكبون دموع الفرح، وكانت الجماهير تهتف وتصفق لهم وتلقي الورود عليهم وكثيرون يزحمون أبواب المدينة وهم قادمون للاشتراك في مواكب النصرة. كما كانت الدولة تقدم لهم هبات مالية وتعفيهم من الضرائب.
+ يقول سيشترون [أن الفائز في الألعاب الأولمبية ليس بأقل من المنتصر في روما. إن لاعبوا الرياضة يترقبون إكليلاً زمنياً، أما العاملون بالروح فينالون إكليلاً أبدياً لا يفنى.] [7]
+ القديس يوحنا ذهبي الفم [هنا الإكليل لا يُحد بشخصٍ واحد وحده، وستكون المكافأة تفوق كل الأتعاب. لذلك يتحدث هكذا لكي يخجلهم: “أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى وأما نحن فإكليلاً لا يفنى“.] [8]
+ الشهيد كبريانوس [سبق فتنبأ الأنبياء عن المعركة, وانشغل بها الرب, واستمر فيها الرسل.] [9]
+ القديس أمبروسيوس [أنت مصارع , تعال لتثابر مع منافسيك لا برأسك بل بذراعيك.] [10]
+ القديس أغسطينوس [عندما ندخل طريق الرب لنبتعد عن بطلان هذه الحياة الحاضرة وننتعش بالرجاء في الحياة العتيدة, دون أن نركز قلوبنا على الأشياء الحاضرة بل تتهلل بالعلويات.] [11]
+ القديس يوحنا كاسيان [“إن كان أحد يجاهد لا يكلل إن لم يجاهد قانونياً” (2تي 5:2). الإنسان المشتاق إلي إطفاء الرغبات الجسدية للطبيعة لابد أن يسرع وينتصر علي الشرور الخارجية عن طبيعتنا. وإذا أردنا اختبار قوة قول بولس الرسول لابد أولاً أن نتعلّم قوانين الجهاد في العالم وقواعده حتى نستطيع من خلال تلك القواعد التعرّف علي ما قاله الرسول بولس عن الفائز بإكليلٍ يفنى (1 كو 25:9)، فعلي المتسابق أن يعدَّ نفسه لإكليل المجد الزمني القابل للفناء.] [12]
يرى البعض أن الجهاد القانوني الذي به ننعم بالغلبة هو ذاك الذي فيه يتكئ المؤمن على صدر اللَّه، طالباً نعمته ومعونته بروح العمل والجهاد.
+ القديس يوحنا ذهبي الفم [لا نقدر أن نجري في طريق اللَّه إلا محمولين على أجنحة الروح.] [13]
+ القديس يوحنا ذهبي الفم [ليس أقوى من الذي يتمتع بالعون الإلهي، كما أنه ليس أضعف من الذي يُحرم منه.] [14]
+ القديس يوحنا ذهبي الفم [لنكن أقوى من الجميع، متمثلين ببولس وبطرس ويعقوب ويوحنا، فإنه إن غاب عنا عون اللَّه لا نقدر أن نقاوم أتفه إغراء.] [15]
+ القديس أغسطينوس [ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل من اللَّه ينال رحمة حتى ننال ما نرجوه ونبلغ إلى ما نشتهيه. عيسو لم يكن يشاء ولم يسعَ وكان يمكنه أن ينال عون اللَّه الذي إذ ندعوه يهبنا القوة لكي نريد ونعمل.] [16]
———————————-
“26 إِذاً، أَنَا أَرْكُضُ هكَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ. هكَذَا أُضَارِبُ كَأَنِّي لاَ أَضْرِبُ الْهَوَاءَ.“
في لعبة Sciamachia يضرب المصارع بيده في الهواء كما لو كان عدوه أمامه. العدو الحقيقي هو إبليس الذي يقاومنا خاصة خلال شهوات الجسد.
اللاعبون يصارعون بلا يقين، فقد يضرب أحد يده كما في الهواء ولا يصيب المصارع معه، أما الروحيون فيصارعون في يقين نعمة اللَّه العاملة فيهم.
من عادة الملاكمين أن يدخلوا الحلبة وقبل بدء الصراع يمارسون الملاكمة في الهواء لتمرين أيديهم أو كنوعٍ من الاستعراض أمام الجماهير. كان هذا يدعي skiamachia أو Sciamachia أي معركة زائفة أو معركة في الهواء. وقد جاء النص يحمل أيضا معني الضربات التي لا تحقق هدفها إذ يضرب الملاكم في الهواء عندما يفلت منافسه من أمام الضربة. ولعل الرسول بقصد هنا أن صراعه ليس عن تهور ولا بدون خبرة، إنما يعرف كيف يضرب تحت قيادة روح اللَّه القدوس لينال النصرة الأكيدة. روح اللَّه يهب قدرة وحكمة فلا نفشل قط في جهادنا.
“عن غير يقين“: لها معان أخرى، فهي تعني الجهالة. فالرسول في سباقه يتحرك ليس في جهالة، إنما عن إدراك لقوانين السباق، ومعرفة للحياة الأبدية والطريق الذي يقود إليها، ويتلمس قوتها.
“بدون مراقبة“: تعني أن الرسول يعلم أن كل أعين المشاهدين تتركز علي الذين في السباق تترقب النتيجة, يشتهي الاخوة الكذبة أن يروه قد عرج في الطريق ولم يكمل السباق، ويتمني اليهود والأمم المقاومون للإنجيل أن يروه ساقطاً.
أما الكنيسة الحقيقية فتتطلع إليه في شغف لترى إكليله، وأخيراً تتطلع إليه عينا اللَّه المترفقتان به، اللتان تسندانه في صراعه.
ماذا تعني “ليس عن غير يقين“؟
+ القديس يوحنا ذهبي الفم [يقول: تطلّعوا إلى بعض العلامات، فإنه لا أعمل جزافاً ولا باطلاً كما تفعلون أنتم؛ فإنه أية منفعة لكم من دخولكم هياكل الوثن؟… لا شيء!
لست هكذا أنا، بل كل ما أفعله هو من أجل خلاص قريبي!
سواء أنني قد فقت بطرس في تنازلي عن قبولي (مكافأة) فذلك لكي لا يتعثّروا، أو تنازلت أكثر من الكل باستخدام الختان وحلقت رأسي، فهذا الأمر لا يحطمني. فإن هذا أفعله “ليس عن غير يقين“، أما أنتم فلماذا تأكلون في هياكل الأوثان، أخبروني؟ بلى، لا تقدرون أن تقدموا علّة واحدة لهذا. فإن “الطعام لا يقدمنا إلى اللَّه، لأننا إن أكلنا لا نزيد، وإن لم نأكل لا ننقص“ (1كو8:8). واضح أنكم تركضون اعتباطاً، فإن هذا فيه “غير يقين“.] [17]
+ القديس يوحنا ذهبي الفم [“هكذا أضارب كأني لا أضرب الهواء“. يقول هذا مرة أخرى مشيراً أنه كان يعمل ليس اعتباطاً ولا باطلاً. فإنه يوجد من أضربه وهو الشيطان. وأما أنتم فلا تضربونه بل ببساطة تبددون قوتكم باطلاً.] [18]
+ أمبروسياستر [يقصد بولس أنه يحارب ليس بكلماته المجردة بل بأعماله.] [19]
+ الأب سيرينوس [ (لا تخف من محاربات الشيطان) إننا نعتقد أنهم يتعهدون هذا الصراع بقوة، لكن في مناضلتهم يكون لديهم نوع من القلق والحزن، خاصة حين يقفون أمام مناضلين أقوياء أي أمام رجال قدّيسين كاملين، وإلا فإنه لا يكون نضالاً ونزاعاً بل هو مجرد تغرير بالبشر، لأن طرفاً قوي والآخر ضعيف.
(فالحرب الروحية شديدة) وإلا فأين يكون موضوع كلمات الرسول القائل: “فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ بل مع الرؤَساءِ مع السلاطين مع ولاة العالم علي ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشرّ الروحيَّة في السماويَّات” (أف 12:6)، وأيضًا “هكذا أُضارِب كأني لا أضرب الهواءَ” (1 كو 26:9)، وأيضًا “قد جاهدت الجهاد الحسن” (2تي 7:4)؟!
إذ يتحدث عن حرب وصراع ومعركة، يلزم أن توجد قوة وجهاد في كِلا الطرفين، وأن يكون كلاهما مُعدّاً إما أن يضجر ويخجل من الفشل أو يبتهج بالنصرة.
لو أن أحد الجانبين يحارب بيسر مع ضمان (النصرة) على الثاني الذي يناضل بقوة عظيمة لما دعيت معركة أو صراع أو نزاع بل يكون نوعاً من الهجوم المجحف غير العادل.] [20]
+ القديس أمبروسيوس [مثل مصارع يأتي أخيراً إلى الميدان. يرفع عينيه إلى السماء… يهذب جسده حتى لا ينهزم في المصارعة. يدهنه بزيت الرحمة. يمارس كل يوم استعراضات الفضيلة… يركض بيقين لبلوغ غاية الجولة. يوجه ضرباته ويصوب السهام بذراعيه ولكن ليس نحو الفراغ… الأرض هي ميدان التدريب للإنسان والسماء هي إكليله.] [21]
+ القديس أمبروسيوس [مثل مصارع صالح عرف بولس كيف يوجه اللطمات على القوات المضادة , بل ويضربهم إذ يجددون الهجمات.] [22]
+ القديس جيروم [لتركض في هذا العالم فتنال (المكافأة) في العالم العتيد.] [23]
+ القديس يوحنا كاسيان [هل تود أن تسمع ما يقوله مناضل حقيقي للمسيح يجاهد حسب قواعد المعركة وقوانينها؟ “إذاً أنا أركض هكذا، كأنه ليس عن غير يقين. هكذا أضارب كأني لا أضرب الهواء، بل أقمع جسدي واستعبده حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا” (1كو 26:9و27). أترى كيف جعل الجزء الأساسي من النضال معتمدًا عليه، أي علي جسده، كما علي أكثر الأسس تأكيداً، وجعل نتيجة المعركة مترتبة علي طهارة الجسد وقمع جسده. “إذاً أنا أركض هكذا كمن ليس عن غير يقين“.
إنه لا يركض عن غير يقين، لأنه فيما هو متطلع إلى أورشليم السمائية يجد علامة موضوعة أمامه يركض إليها قلبه بلا انحراف. إنه لا يركض عن غير يقين، لأنه “ينسى ما هو وراء ويمتد إلي ما هو قدام، ساعيًا نحو الغرض لأجل جعالة دعوة اللَّه العليا في المسيح يسوع” (في 13:3و14). وقد أعلن بثقة، مثبتاً نظره نحو الغرض، ومسرعاً لإدراكه بكل سرعة، قائلاً: “قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان” (2 تي 7:4).
ولأنه يعلم أنه سعى نحو رائحة دهن المسيح باستقامة قلب ولم يكل، وانتصر في المعركة الروحية بطهارة الجسد، ختم حديثه بجسارة قائلاً: “وأخيراً قد وُضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الديان العادل“. ولكي يفتح أمامنا باب الرجاء أيضاً لاقتناء مثل هذه المكافأة إذا ما رغبنا أن نحاكيه في مسيرة جهاده أضاف: “وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً” (2 تي 8:4)، معلناً أننا سنكون شركاءه في الإكليل يوم الدينونة إذا كنا نحب ظهوره أيضاً. ليس أنه يظهر لنا بغير إرادتنا، بل يظهر لنا يوميًا في النفوس المقدسة، إن كنا ننال النصرة في المعركة بطهارة الجسد. عن هذا الظهور يقول السيد في الإنجيل: “ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً” (يو 23:14). وأيضاً: “هأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي“ (رؤ 20:3).] [24]
+ ثيؤدور أسقف الميصة [يشير الهواء هنا إلى قوات الشر.] [25]
—————————–
تَفْسِير رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ ــ القمص تادرس يعقوب ملطي.
[1] Cassian: Conferences 12:10
[3] Beatitude, sermon 2. (ACW)
[4] On the Christian Mode of Life
[5] Homilies (Frs of the Church), 13
[11] Sermon 263 Fathers of Church 38:396
[13] In Gen PG 53:228; In Mat. PG 57:30
[20] Cassian: Conferences 7:21
[25] Pauline Commentary from the Greek Church
————————————-
وهذا العرض الشيق من بولس الرسول
ما هو إلا المقدمة للتحذير الواجب للجميع
↓↓ أضغط على الصورة ↓↓
Share this content:
إرسال التعليق