دينونة الأعمال _ الأب متى المسكين
توجد دينونة “للأعمال” قاطعة:
– من رسالة القديس بولس الرسول لأهل رومية:
“وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ دَيْنُونَةَ اللهِ هِيَ حَسَبُ الْحَقِّ عَلَى الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ. أَفَتَظُنُّ هذَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تَدِينُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ، وَأَنْتَ تَفْعَلُهَا، أَنَّكَ تَنْجُو مِنْ دَيْنُونَةِ اللهِ؟ أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ. وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ، الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. أَمَّا الَّذِينَ بِصَبْرٍ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَطْلُبُونَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْبَقَاءَ، فَبِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ التَّحَزُّبِ، وَلاَ يُطَاوِعُونَ لِلْحَقِّ بَلْ يُطَاوِعُونَ لِلإِثْمِ، فَسَخَطٌ وَغَضَبٌ، شِدَّةٌ وَضِيقٌ، عَلَى كُلِّ نَفْسِ إِنْسَانٍ يَفْعَلُ الشَّرَّ. وَمَجْدٌ وَكَرَامَةٌ وَسَلاَمٌ لِكُلِّ مَنْ يَفْعَلُ الصَّلاَحَ.” (رو 2 :2 -10)
– ويعود القديس بولس الرسول يؤكد حتمية وقوفنا أمام الديان:
“لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا.” (2كو 10:5)
– بطرس الرسول أيضاً يشترك في هذا التأكيد عينه:
“الَّذِينَ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا لِلَّذِي هُوَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ.” (1بط 5:4)
– وبولس الرسول يحدد الدينونة بيوم معين يصفه للوثنيين ببساطة هكذا:
“فَاللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِيًا عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ. لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ، بِرَجُل قَدْ عَيَّنَهُ، مُقَدِّمًا لِلْجَمِيعِ إِيمَانًا إِذْ
أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ.” (أع17: 30-31)
– ويحدد بولس الرسول هذا اليوم الذي للدينونة بيوم ظهور المسيح هكذا:
“أَنَا أُنَاشِدُكَ إِذًا أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ” (2تي 1:4)
– علماً بأن عقيدة الإيمان بدينونة الأعمال مع القيامة هي راسخة في إيمان الكنيسة منذ أيام الرسل:
“قِيَامَةَ الأَمْوَاتِ، وَالدَّيْنُونَةَ الأَبَدِيَّةَ.” (عب2:6)
– كما أستقر الإيمان الأول في الكنيسة بأن المسيح ك”رب” هو الذي سيضطلع بالدينونة وذلك من فم المسيح نفسه:
“وَأَوْصَانَا أَنْ نَكْرِزَ لِلشَّعْبِ، وَنَشْهَدَ بِأَنَّ هذَا هُوَ الْمُعَيَّنُ مِنَ اللهِ دَيَّانًا لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ.” (أع 42:10)
وق. يوحنا يقدم نفس التعاليم موضحاً دينونة الأحياء بأنها فرصة التوبة وإعطاء الحياة الأبدية المعتبرة القيامة الأولى في (ص5 الآية 28), وموضحاً دينونة الاموات معبراً عنها “فَإِنَّهُ
تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ”. إنها الدينونة التي بلا خلاص ولا توبة حيث الحكم الأخير, فهي قيامة يتميز فيها الذين قبلوا الحياة الأبدية بالإيمان عن
الذين ضاعت عليهم فرصة الحياة برفضهم للإيمان.
وقد مهد ق. يوحنا لسلطان المسيح على الأحياء والأموات في (ص5 الآية 21) بقوله: “لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ.” هنا سلطان
المسيح واضح في قوة القيامة من الأموات التي تلازمها الدينونة, وفي قوة إعطاء الحياة لمن يشاء التي تختص بدعوة أموات الخطية للقيامة الأولى لنوال الحياة الأبدية من الآن.
على أن القديس يوحنا يزيد رسالة المسيح الأساسية وضوحاً بالنسبة للمختارين سواء في حياتهم الآن أو في قيامتهم من الموت هكذا: ” وَهذِهِ مَشِيئَةُ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي:
أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَانِي لاَ أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الابْنَ (رؤية إيمان بالروح) وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا
أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ.” (يو6: 39-40)
ويزيد المسيح نفسه تأكيداً لقوة الحياة والقيامة التي ينالها من يؤمن به, وذلك بفاعلية سر التناول من جسده ودمه الذي يرسخ فيه الحياة والقيامة من الأموات -وهو المسمَّى
عند الآباء “ترياق عدم الموت”- هكذا:
“مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ.” (يو 54:6)
لهذا ربطت الكنيسة بحسم بين سر الافخارستيا (المؤسس على الموت والقيامة) وسر غفران الخطايا, بأعتبار الخطايا هو التمهيد الحتمي للأنعتاق من الدينونة وبالتالي لنوال
الحياة الأبدية في القيامة.
ولكن واضح وبالنهاية أن القديس يوحنا صبَّ كل اهتمامه في كل هذه الآيات على قدرة المسيح الحالية في أعطاء حياة أبدية لموتى الخطية, ولهؤلاء أسس عن قصد وأهتمام
بالغ سر الجسد والدم ليسند فعل إيمانهم بهذا العمل السري الفائق عن التعبير. لذلك, وفي ختام هذه الآيات, نود لو نلفت النظر لخطورة التأكيد من رسوخ فعل الإيمان
بالمسيح الذي يكون له شهادة في الإنسان حسب تعبير ق. يوحنا, وهذه الشهادة هي في الإحساس بالحياة الأبدية وفعلها الفائق لجعل الحياة تسمو فوق الطبيعة البشرية
ولها برهانها الصادق: نصرة وفرح دائم مع شهادة.
ولا ينخدع الإنسان المسيحي بأن له إيماناً بالمسيح وهو لا يعيش هذه الحياة, لأنه سينخدع حتماً وبالتالي بأن له أعمالاً صالحة تظهر في عينه أنها صالحة وهي ليست كذلك
في عين الله. ويكفي ليقظة الضمير أن نضع هذه الآية أمام كل قارئ ليلتفت إلى نفسه:
” أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ. كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ. فَاذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ،
وَاحْفَظْ وَتُبْ، فَإِنِّي إِنْ لَمْ تَسْهَرْ، أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ، وَلاَ تَعْلَمُ أَيَّةَ سَاعَةٍ أُقْدِمُ عَلَيْكَ.” (رؤ3: 1-3). وهذا نموذج من دينونة المسيح للضمير في الحياة الحاضرة. وطوبى لمن يقع
تحت هذا الصوت.
———————————-
نص المقال من كتاب
دراسة وتفسير إنجيل القديس يوحنا_الأب متى المسكين ص 366- 369
Share this content:
تعليق واحد