الكذب على الروح القدس _ الأب متى المسكين
الكذب على الروح القدس
الأب متى المسكين
أعمال الرسل _ الإصحَاحُ الْخَامِسُ
الاختلاس من مال الله، والكذب على الروح القدس!
« ورَجُلٌ اسمُهُ حنَانِيَّا وامرَأَتُهُ سفِّيرةُ باعَ مِلكاً، واختَلَسَ مِنَ الثَّمنِ وامرأَتُهُ لها خَبَرُ ذلِكَ وأَتىَ بجُزْءٍ ووضَعَهُ عِندَ أَرجُلِ الرُّسُلِ. » (أع 1:5و2)
لأول وهلة يجزع الإنسان من ورود هذه القصة الحزينة المحزنة في هذا الوقت وهذا الموضع من الكنيسة وهي منتصرة وحارة، متآلفة بالروح القدس والحب والشركة، والوحدة تجمعها برباط مقدَّس مع الله. وهذا يوضِّح بكل تأكيد أمانة سرد الوقائع عند ق. لوقا، فهو لم يقف عند أخبار الانتصار والنجاح والتقدُّم للكنيسة بل حتَّم عليه ضميره أن يسجِّل على الكنيسة هذا التصرُّف الذي يظهر في خارجه عنيفاً أشد العنف. غير أنه في طياته يحمل قانوناً خطيراً للكنيسة الجديدة كان عليها أن لا تتعدَّاه قط لئلا تنكفئ على وجهها وتسقط أمام أعدائها. فكل ما للرب هو للرب ويتحتَّم على الكنيسة وكل مسئول فيها أن يفرِّق بين التصرُّف الذي يجعل المال في يدها مقدَّساً فتتقدَّس به والتصرُّف الذي يجعل المال الذي في يدها حراماً فتحرم نفسها بيدها ومما بيدها!!
كذلك لا يفوت على القارئ أن ق. لوقا قدَّم أولاً النموذج الصالح للكنيسة في شخص ق. برنابا القبرصي اللاوي المدقِّق كيف باع حقله، ويبدو أنه كان كبيراً، وأعطى كل ثمنه للرسل، حتى لا يستكثر أحد على الكنيسة كل ما يملك بل ولا نفسه!!
ولكن لا يمكن فهم هذه القصة إلاَّ إذا فهمنا قصة عخان بن كرمي في موقعها وزمانها ومكانها وهي طبق الأصل من هذه القصة والهدف واحد (سفر يشوع الأصحاح السابع)!!
قصة عخان بن كرمي:
كان الشعب المتغرِّب في البرية أربعين سنة قد دخل لِتوِّه أرض الميعاد، وكانت هذه أول حرب تواجهها الجماعة مع الأعداء المتربصين، بعد سقوط أريحا بدون حرب. والرب أعطى أمراً سابقاً عن غنائم أريحا:
+ « وأمَّا أنتم فاحترزوا من الحرام لئلاَّ تُحرَّموا وتأخذوا من الحرام وتجعلوا محلةِ إسرائيل (كلها) محرَّمةً وتكدِّروها. وكلُّ الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد تكون قدساً للرب وتدخل في خزانة الرب. » (يش 6: 18و19)
ولكن عخان اختلس وكذب، فانكسر إسرائيل أمام عاي البلدة الصغيرة:
+ « فقال الرب ليشوع قُمْ لماذا أنتَ ساقطٌ على وجهِكَ. قد أخطأَ إسرائيل بل تعدَّوا عهدي الذي أمرتهم به بل أخذوا من الحرام بل سرقوا بل أنكروا بل وضعوا في أمتعتهم … في وسطِكَ حرامٌ يا إسرائيل فلا تتمكن للثبوت أمامَ أعدائِكَ حتى تنزعوا الحرام من وسطكم … فقال يشوع لعخان يا ابني أَعطِ الآن مجداً للرب إله إسرائيل واعترف له وأَخبرني الآن ماذا عَمِلْتَ. لا تُخفِ عني. فأجاب عخان يشوع وقال حقـًّا إني قد أخطأت إلى الرب إله إسرائيل … فرجمه جميع إسرائيل بالحجارة وأحرقوهم بالنار ورموهم بالحجارة. » (يش 7: كله)
وضح الآن أمام القارئ أن الأمر خطير ويخص تعليم الشعب بأجمعه وهم يبدأون عهداً مع الله للحياة حسب وصاياه ولمخافة اسمه والسير بمقتضى أوامره. فعخان مات وكل بيته ولكن بيت إسرائيل عاش وانتصر في الأرض الجديدة. كما هو واضح أيضاً أن الذهب والفضة كانا فعلاً مِلْكاً للرب طالما وُضِعَتْ وصية بذلك.
فالآن إذا عدنا إلى مسألة حنانيا وامرأته نجدها طبق الأصل، فالشعب يبدأ عهداً جديداً مع الله، والكنيسة أصبحت هي بيته والرسل اتفقوا وأعطوا وصية أن تُجمع الأموال ليقوموا هم بإعادة توزيعها حسب احتياج كل فرد وكل أسرة. إذاً، فمالية الأفراد والعائلات صارت تبع خزانة الرب وبمجرد قبول الفرد أو الأسرة في الكنيسة وقبوله أن يكون عضواً في الشركة.
كذلك يُلاحَظ أن في العهد القديم أُلقيت القرعة على كل الأسباط فوقعت على سبط يهوذا، ثم قُدِّمت كل عشائره فوقعت على عشيرة الزارحيين، ثم قُدِّم كل رجال عشيرة الزارحيين فأُخذ زبدي فقُدِّم كل بيته ورجاله، فأُخذ عخان بن كرمي. إذاً، فالله عن طريق القرعة عيَّن السارق والكاذب.
أمَّا هنا في الكنيسة الروحية الجديدة، فلم تُلقَ القرعة لأن القرعة أُلغيت في الكنيسة بعد حلول الروح القدس الذي سبق وأن عيَّن الرب عمله:
«يعلِّمكم كل شيء » (يو 26:14)
« يُرشدكم إلى جميع الحق » (يو 13:16)
« ويخبركم بأمور آتية » (يو 13:16)
وواضح أن أحداً لم يخبر ق. بطرس بذلك، بل هو الروح القدس الناطق في قلبه. وقد عبَّر عن ذلك ق. بطرس بقوله لحنانيا:
« يا حنانيَّا لماذا ملأَ الشيطانُ قَلْبَكَ لتكذِبَ على الرُّوحِ القُدُسِ وتختَلِسَ مِنْ ثمنِ الحقلِ – أَليس وهو باقٍ كان يبقىَ لَكَ؟ ولمَّا بِيعَ ألم يكن في سُلطانِكَ. فما بالُكَ وضعتَ في قلبِكَ هذا الأَمر. أنتَ لم تكذب على الناسِ بل على الله. » (أع 3:5و4)
«وتختلس من ثمن الحقل »: (nosf…sasqai)
يُلاحَظ هنا أن ق. بطرس الرسول يستخدم نفس الكلمة التي استخدمها يشوع مع عخان بن كرمي وقد جاءت هكذا: « وخان بنو إسرائيل خيانة في الحرام (nosf…santo) » (يش 1:7) وقد جاءت نفس كلمة «اختلس» المترجمة في سفر الأعمال هي نفس الكلمة «خان» باليونانية في الاثنين، مما يعطي انطباعاً أكيداً أن ق. بطرس الرسول كان قد استعلن له الروح القدس نفس العملية بنفس كلماتها! وذلك بسبب نفس الخطورة والقصد الإلهي من التعليم.
«الشيطان»: Satan©j
وهو اسم عام ويعني “مصيبة” أو “خصومة” (زك 1:3 هامش).
والاسم أصلاً في اللغة العبرية “shatan“ والفعل منها “shat“ ومعناه يجول ذهاباً وإياباً. ولهذا عرَّفه ق. بطرس بعمله: « يجول ملتمساً مَنْ يبتلعه » (1بط 8:5)،
ويحدد ق. بطرس عمل الشيطان أنه “يملأ قلوب الناس بالشر” ليصيروا كأدوات في يده ليُرديهم قتلى كما صنع بحنانيا وسَفّيرة، أو ليتخاصموا ويقتتلوا فيصيروا أولاده وتابعيه وأنصاره.
والآن إلى قصة حنانيا مرة أخرى لأن كثيرين عثروا فيها ونقدوها وانتقدوا تصرُّف القديس بطرس وبالأكثر في إلقاء أمر الموت على سفيرة. وهو لم يعطِ لأحد منهما فرصة للاعتراف والتوبة. ولكن يلزم للقارئ أن يفهم خاصة من البحث القصير الذي قدمناه عن الشيطان، كيف أن الشيطان ملأ قلبيهما بالغش. وأن الخطية الأُولى التي عوقبا عليها هي الغش والكذب على الكنيسة وبالتالي على الروح القدسالذي أُقيم ق. بطرس ليتكلَّم باسم كل منهما، باسم الروح القدس أولاً ثم الكنيسة. وقد برَّأ ق. بطرس نفسه من أن يكون عاملاً بنفسه: « أنت لم تكذب على الناس (بما فيهم بطرس) بل على الله » (أع 4:5)، لأنه يلزم على القارئ أن ينتبه أن حنانيا في الواقع تقدَّم إلى الله ومعه المبلغ منقوصاً ومختلساً منه. لأنه قدَّمه باعتباره ثمن الحقل كله مع أنه احتجز جزءاً منه لحسابه، والأمر في مضمونه الإلهي يُقاس على أساس أن حنانيا قدَّم حساب الحقل كله ليأخذ أجرة هذا العمل من الله روحياً سماوياً، مع مديح من الناس وشهرة وإكرام وتعظيم وتبرير وكتابة اسمه في لوحة شرف الكنيسة أو استئمانه على حمل الصندوق أو الطبق أو الصرف على الفقراء على أساس أنه قدَّم كل ما عنده، أي كل معيشته على الأرض. فالآن هو يطلب أو في الحقيقة يطالب الله والكنيسة أن يدفع له ما يوازي ثمن الحقل كله، فهنا اختلاس صارخ. وكأنه أراد أن يربح الأرض والسماء، هذا العالم وعالم الدهر الآتي، النعمة والمال معاً، الاتكال على الله وعلى المال معاً، محبة الله ومحبة المال معاً. هنا مناقضة فضحها الروح القدس وسلب منه الأرض والمال والحياة التي لحسابهما حتى يستطيع الله أن يعطيه الرحمة والخلاص والحياة التي من عنده نقية من عيب المال والدنيا. ومرة أخرى: « لأننا لو كنَّا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا. ولكن إذ قد حُكم علينا نؤدَّب من الرب لكي لا نُدان مع العالم. » (1كو 11: 31–32)، وأيضاً: « أن يسلَّم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع. » (1كو 5:5)
إذاً، فالمواجهة هنا هي بين الروح القدس وبين حنانيا والأمر خطير لأن حنانيا معتمد وحائز على الروح القدس، فكونه يسمع للشيطان حتى يملأ قلبه معناه أنه انحاز للشيطان ضد الروح القدس.
وهنا نستمد من ق. بولس الرسول شيئاً من التوضيح حينما قال:
+ » أَمَا تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم. إن كان أحدٌ يُفسد هيكل الله فسيفسده الله لأن هيكل الله مقدَّس الذي أنتم هو. » (1كو 3: 16و17)
وللقارئ أن يتصوَّر كيف أن حنانيا وهو من أحجار الأساس الأُولى لبناء كنيسة الله يوضع هكذا في الأساس وهو ممتلئ القلب بمشورات الشيطان. ومرَّة أخرى يقول ق. بولس الرسول من جهة الذي يشترك في الجسد الواحد (الكنيسة والإفخارستيا) « بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه. » (1كو 27:11)، وبالتالي مجرماً في حق الله والكنيسة. ثم يعقِّب ويقول: « من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون. لأننا لو كنَّا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا، ولكن إذ قد حُكم علينا (كحنانيا وسفيرة) نؤدَّب من الرب لكي لا نُدان مع العالم. » (1كو 11: 30–32)
وسماح الوحي المقدَّس بأن تُسجَّل حادثة حنانيا وسفيرة هكذا في بدء سيرة الكنيسة باعتبار أن الروح القدس يسائل المؤمنين ويحاسبهم على أعمال قلوبهم ونياتهم تجاه بيت الله ومخصصاته، هذا أمر واضح وخطير أيضاً. علماً بأن ربط نصرة الشعب في القديم بمقدار الالتزام بالخضوع لوصايا الله وأن أية خيانة كفيلة بأن توقع الشعب كله في انكسار مهين أمام الأعداء وموت وهلاك نفوس بريئة بلا عدد، يضع الكنيسة في موضع المُساءَلَة أمام الأموال التي تُرصد لحساب الله وفقراء شعبه ومبانيها ومصروفاتها – كل بند برصيده وكل رصيد بحسابه – وأي انحراف في التصرف وخاصة إذا كان من جهة المنفعة الشخصية للمسئول أو أي مشترك في المسئولية، فنتيجتها موت بأية صورة من صوره المرعبة ليس له فقط بل ولكل مَنْ يتبعه، لأن صاحب الكنيسة حي وروح الله القدوس يعرف في الأرصدة والحسابات والاختلاسات. وينبغي على الكنيسة أن تقص قصة حنانيا وسفيرة على كل مَنْ تلمس يداه أموال الله: « ثُم يُسأل في الوكلاء لكي يوجد الإنسان أميناً » (1كو 2:4)، « أعطِ حساب وكالتك. » (لو 2:16)
وأخيراً فإن قصة حنانيا وسفيرة وفحص الروح القدس الدقيق للقلوب والضمائر تُعتَبر ملهمة لقياس الأمانة بل والتدقيق في الأمانة أمام الضمير الشاهد الأمين لحساب الله.
« فلمَّا سَمِعَ حنانيَّا هذا الكلامَ وَقَعَ ومَاتَ، وصارَ خَوفٌ عظيمٌ على جميعِ الَّذِينَ سَمِعُوا بذلِكَ. فنَهَضَ الأَحداثُ ولفُّوهُ وحَمَلُوهُ خارجاً ودَفَنُوهُ. » (أع 5:5و6)
هنا الكلام غريب للغاية على العلماء في كل الغرب، فهم يقولون إن الموت كان بسبب الصدمة على أثر عنصر المفاجأة أو عنصر المواجهة مع الضمير وعدَّدوا الأسباب التي جاءت لتتوافق مع فكر الطبيب الشرعي في الكشف عن سبب الوفاة. ولكن من روح القصة ومن التعرُّف على شخص القاضي وهو الروح القدس واكتشاف نوع الخطية المميتة، لا يكون بعد ذلك أي اعتراض على حكم الموت الصادر من الذي بيده وحده الموت والحياة والحكم فيهما.
«ثُمَّ حَدَثَ بعد مُدَّةِ نحو ثلاثِ ساعاتٍ أَنَّ امرأتَهُ دَخَلَتْ وليس لها خَبَرُ ما جَرَى. فأجابَهَا بُطرُسُ قُولي لي أَبهذا المِقدَارِ بِعتُما الحقلَ، فقالتْ نعم بهذا المِقدارِ. » (أع 7:5و8)
يبدو أن حنانيا كان قدومه في ميعاد صلاة من الصلوات ليصلِّي ويقدِّم عطيته، وبعد الصلاة بثلاث ساعات يأتي ميعاد الصلاة الأخرى التي جاءت فيها سفيرة. وجاءت خالية الذهن مما جرى لرجلها. وهنا أتت الفرصة الوحيدة بعد موت حنانيا للتأكد مما صنعاه معاً. وكانت الفرصة مواتية لامرأته لتصحيح موقف زوجها ولكنها كشفت حقيقة الاتفاق السرِّي بينهما على الاختلاس والكذب حينما أكدت: « نعم بهذا المقدار » (أع 8:5) وهو لم يكن المقدار.
أليشع النبي واجه هذا الموقف تماماً مع جيحزي تلميذه، عندما رفض النبي أخذ هدايا من نعمان السرياني إزاء عمل الشفاء الذي أُجري له بواسطة النبي، ولمَّا خرج نعمان جرى وراءه جيحزي وكذب على الرجل ولفَّق سبباً ليعطيه هدايا فأعطاه، وعاد مسرعاً وأخفى العطية ودخل على أليشع وكانت الفضيحة:
+ « وأمَّا هو فدخل ووقف أَمام سيده، فقال له أَليشعُ مِنْ أين يا جيحزي؟ فقال لم يذهب عبدُكَ إلى هنا أو هناك. فقال له أَلم يذهب قلبي حين رجع الرَّجُلُ (نعمان) مِنْ مركبته للقائك؟ أهو وقتٌ لأخذ الفضة ولأخذ ثيابٍ وزيتونٍ وكرومٍ وغنمٍ وبقرٍ وعبيدٍ وجوارٍ؟ فَبَرَصُ نُعمانَ يَلصَقُ بكَ وبنسلِكَ إلى الأبد. فخرج من أمامه أبرص كالثلج. » (2مل 5: 25–27)
كيف نقرأ هذه القصة؟ وبماذا نصف هذا النبي؟ أهي قوة بشرية خالصة؟ أهو رد كرامة أو إظهار كرامة؟ الحقيقة أن الصوت صوت أليشع النبي ولكن العمل عمل مَنْ بيده المرض والشفاء والموت والحياة. وشوكة الجسد تكون من الشيطان، ولكن تُوازِنها نعمة تفوق الجسد بكل قواه.
ولكن مِنْ نُطق سفيرة ومِنْ واقع كلماتها أُدينت: « لأنك بكلامك تتبرَّر وبكلامك تُدان. » (مت 37:12)
9:5و10 « فقال لها بُطرُس ما بالكُما اتفقتُما على تجربةِ روحِ الربِّ، هوذا أَرجُلُ الذين دَفَنُوا رَجُلَكِ على البابِ وسيحمِلُونَكِ خارجاً. فوقعت في الحالِ عند رجليهِ وماتت، فدخلَ الشبابُ ووجدوها ميتةً فحملوها خارجاً ودفنوها بجانبِ رَجُلِها. »
«اتفقتما على تجربة روح الرب »:
« تجربة روح الرب » عمل عدائي استفزازي لسبر غَوْر صبر الله بالتمادي في إغاظته الذي يحتمله الله إلى حد محدود تنصبُّ بعدها النقمة على الإنسان المجترئ في الخطأ تجاه الله.
+ «فماذا إن كان الله وهو يريد أن يُظهِر غضبه ويبيِّن قوته احتمل بأناة كثيرة آنيةَ غضبٍ مُهيَّأةً للهلاك. » (رو 22:9)
+ « أَم تستهين بغنى لُطفِهِ وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبِكَ غير التائب تَزْخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة. » (رو 2: 4و5)
فالتمادي في الخطأ والإنسان على علم وإحساس بأن ذلك يُغضب الله وأنه ضد وصيته، هو: « تجربة روح الرب »التي قلَّ مَنْ يفلت من عقوبتها!
وقد نبَّه موسى شعب إسرائيل لمَّا هاج عليه وخاصمه من أجل الماء: « لماذا تخاصمونني؟ لماذا تجرِّبون الرب؟ » (خر 2:17). وكانت هذه الحادثة مشهورة باسم « تجربة مسَّه » لذلك عاد في سفر التثنية وذكَّرهم بها مُحذراً من تكرارها: « لأن الرب إلهكم إلهٌ غيورٌ في وسطِكُم لئلاَّ يحمى غضب الرب إلهكم عليكم (تنتهي حدود صبره) فيبيدكم عن وجه الأرض. لا تجرِّبوا الرب إلهكم كما جرَّبتموه في مسَّة » (تث 6: 15و16). وهذه الآية هي التي استشهد بها الرب أثناء صومه المقدَّس عندما جاء الشيطان يجربه ليغريه بأن يجرب الرب! «مكتوب أيضاً لا تجرِّب الرب إلهك» (مت 7:4)! وتعني في حالة تجربة الشيطان أن يجبر المسيح الله على اتخاذ موقف بأن يلقي بنفسه من فوق الهيكل إلى أسفل وعلى الله أن يرسل ملاكه ليحمله حتى لا تصطدم بحجر رجله!! الخطورة هنا أننا نُلزم الله على أخذ موقف معيَّن! هذه تجربة لله. حنانيا وسفيرة اتفقا معاً على إخفاء جزء من الثمن عن عَيْنَي الله، معتقدَيْن أن الله لا يتحرك؛ فكأنما هما يجبران الله على أن لا يتحرك ويقتص: هذه تجربة روح الرب، وهي على مستوى التحدي! وهي شديدة الشبه من الذي عملته حواء حينما أغواها الشيطان وأوحى إليها أن تجرِّب الرب الإله بأن تأكل من الشجرة قائلاً لها: « لن تموتا » (تك 4:3). فمدت حواء يدها على بركة الشيطان واعتمدت على مشورته وأكلت باعتبار أن الله سيتراجع ولن يميتها، فكانت تجربة الله التي دفعت – هي وزوجها ونحن – ثمنها مُرّاً وعلقماً وأفسنتيناً حتى تدخَّل المسيح وشرب كأس المرّ والعلقم والإفسنتين كله ونجَّانا.
11:5 «فصار خوفٌ عظيمٌ على جميعِ الكنيسةِ وعلى جميعِ الذين سَمِعُوا بذلك. »
هذا هو القصد، فالله قوة إيجابية فائقة. فكل مَنْ كان على صورة الله في الحق كان اقترابه من الله واقتراب الله منه نعمة لا تُحدُّ، يلازمها فرح وبهجة فائقة وحياة. وكُلُّ مَنْ كان على مستوى السالبية من الله فاقتراب الله منه يصعقه، فالله نارٌ آكلة تأكل المضادين فقط، أمَّا القريبون فتشعلهم ناراً من نار الله فيتقدسون ويضيئون كالجَلَدِ. والإنسان يشعر بروحه مدى قربه من الله ومدى بعده منه. أمَّا القرب فيعطيه دالة وأمَّا البعد فيملأه خوفاً.
هنا الكنيسة دخلت في حالة خوف لأن هذه الخطية بالذات كانت قد بدأت تسري في الجماعة. لذلك يصرخ ق. بولس متململاً من المال ليقول: « لأن محبة المال أصلٌ لكل الشرور الذي إذ ابتغاه قومٌ ضلُّوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاعٍ كثيرةٍ. » (1تي 10:6)
«الكنيسة»:
الإكليسيا تُذكر هنا لأول مرة، والتي ذُكرت بعدها كثيراً، لتعبِّر عن الجماعة المسيحية. وقد اشتغل العلماء بالبحث في أصل الكلمة وأول مَنْ قالها فلم يصلوا إلى حل, ولكن إكليسيا هو اصطلاح جاء ضمن كثير من الاصطلاحات التي تعبِّر عن الكنيسة.
والأصل في اللغة الأرامية هو “kenishta“ وهي كلمة تعبِّر عن مفهوم “السيناجوج“ “sunagwg“ فكنيسة أورشليم سميت أول ما سميت “بكنيشتا الناصريين“ “nazarene“، وهي المقابل “لسيناجوج اليهود“ أي المجمع الصغير الموجود في كل مدينة. والذي كان يُقال له “كاهال” “qahal“.
والكنيسة المسيحية تعتبر امتداداً للمجتمع أو الجماعة التي كانت ملتفة حول المسيح.
———————————–
دراسة وتفسير أعمال الرسل _ الأب متى المسكين ص 411 – 426
Share this content:
إرسال التعليق