الرسالة الثالثة (17) من القديس كيرلس الكبير إلى نسطور
عقد البابا كيرلس مجمعاً فى الأسكندرية (430 م) واعتمد المجمع نص رسالة البابا كيرلس الثالثة إلى نسطور وهي التي تتضمن الحروم الاثني عشر ومطالبة نسطور بالاعتراف بها وسوف نورد نصها الكامل لأهميتها:
الرسالة الثالثة (17)
من القديس كيرلس إلى نسطور [1]
1- من كيرلس والمجمع المنعقد في الإسكندرية من إيبارشية مصر، نهدى تحياتنا في الرب، إلى الموقر والمحب لله جدًا الأسقف الشريك نسطور.
حينما قال مخلصنا بوضوح: “من أحب أبًا أو أمًا أكثر منى فلا يستحقني، ومن أحب ابنًا أو ابنة أكثر منى فلا يستحقني” (مت10: 37)، فماذا سيكون مصيرنا حينما تطلب تقواك منا أن نحبك أكثر من المسيح مخلصنا كلنا؟ من يستطيع أن يساعدنا في يوم الدينونة؟ وأية حجة نخترعها لاختزاننا الصمت طوال هذه المدة أمام التجاديف التي وجهتها ضده؟ فلو أنك آذيت نفسك وحدك في تعليمك بهذه الأفكار الخاصة بك، لقَل قلقنا. لكنك أعثرت كل الكنيسة، وأدخلت خميرة هرطقة غريب ودخيلة بين الشعب، ليس فقط في القسطنطينية بل وفي كل العالم. إن كتب عظاتك قد انتشرت. فما هو الشرح الذي يمكننا أن نقدمه عن صمتنا؟ كيف لا يكون ضروريًا أن نتذكر قول المسيح: “لا تظنوا أنى جئت لألقى سلامًا على الأرض، ما جئت لألقى سلامًا بل سيفًا. فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها” (مت 10: 34-35). حينما يمس الإيمان أذى، فليُترك احترام الوالدين المخادع والمبتذل، ولينتهي قانون العاطفة الدافئة نحو الأولاد والأقرباء! وبعد ذلك يكون الموت عند الأتقياء أفضل من الحياة “لكي ينالوا قيامة أفضل” (عب 11: 35) بحسب المكتوب في الأسفار.
2– لذلك فمع المجمع المقدس المنعقد في مدينة رومية العظمى برئاسة أخينا والخادم شريكنا في الخدمة المقدس جدًا الذي يكرم الله، كليستينوس الأسقف، نحن أيضًا بهذه الرسالة الثالثة نتهمك الآن، محذرين إياك بالتوقف عن التعاليم الشريرة جدًا والمنحرفة جدًا التي ترتئيها وتعلم بها. وعوضًا عنها اختر وعلم بالإيمان الصحيح المسلم للكنائس من البدء بواسطة الرسل القديسين والبشيرين الذين كانوا معاينين وخدامًا للكلمة. وإذا كنت، تقواك، لا تفعل هذا، حسب الزمن المحدد والمبين في رسالة السابق الذكر أخينا وشريكنا في الخدمة، المقدس جدًا والمكرم لله جدًا، كليستينوس، أسقف كنيسة رومية، فاعتبر نفسك بلا وظيفة أو وضع رسمي أو مكانة معنا ضمن كهنة الرب والأساقفة. لا يمكننا أن نتجاهل الكنائس التي اضطربت، والشعب الذي أعثر، والإيمان الصحيح الذي أهمل، والقطعان التي تفرقت بواسطتك، وقد كان حريًا بك أن تكون أنت حافظها، لو كنت مثلنا محبًا للإيمان الصحيح ومقتفيًا أثر تقوى الآباء القديسين. ولكننا نحن جميعًا في شركة مع كل الأتقياء، سواء من الشعب أو من الإكليروس، الذين حرموا من الشركة أو عزلوا بواسطة وقارك بسبب الإيمان. لأن رجالًا لهم رأى قويم لا يجب أن يحطموا بواسطة إدانتك لهم على معارضتهم المستقيمة لك. وقد أشرت إلى هذا الأمر ذاته في خطابك الذي كتبته إلى شريكنا في الأسقفية المقدس جدًا أسقف المدينة العظمى رومية. ولكنه لن يكون كافيًا لتقواك أن تعترف معنا فقط بقانون الإيمان الذي وضع بالروح القدس بواسطة المجمع المقدس العظيم المجتمع في مدينة نيقية أثناء الأزمنة الحرجة. لأنك لم تفهمه ولم تفسره تفسيرًا صحيحًا، بل بالحري بطريقة منحرفة، حتى وإن كنت تعترف بنص القانون بشفتيك. ولكن عليك أن تلحق ذلك بالكتابة وتعترف بقسم أنك أيضًا تحرم، من ناحية، تعاليمك الممقوتة والكفرية، ومن ناحية أخرى، بأنك سوف تعلم وتتمسك بما نعلم ونعتقد فيه نحن جميع أساقفة الغرب والشرق معلمو وقادة العلمانيين. وإن المجمع المقدس في روما، ونحن جميعًا، متفقون على أن الرسائل المرسلة إلى تقواك من كنيسة الإسكندرية مستقيمة وبلا لوم، ولكننا أضفنا إلى خطابنا هذا الأمور التي يجب أن تتمسك وتعلم بها وأيضًا الأمور التي يجب عليك شجبها.
هذا هو إيمان الكنيسة الجامعة الرسولية الذي يتفق عليه كل الأساقفة مستقيمو الرأى في الغرب والشرق:
3- نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل خالق كل ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب أي من نفس جوهر الآب، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، له نفس الجوهر مع الآب، الذي به كان كل شيء ما في السماء وما على الأرض، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل، وتجسد، وتأنس، وتألم، وقام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماوات، وسوف يأتي ليدين الأحياء والأموات، ونؤمن بالروح القدس.
ولكن بالنسبة لمن يقولون: كان هناك وقت لم يكن فيه الابن موجودًا، أو أنه:لم يكن موجودًا قبل أن يولد، أو أنه: خلق من العدم، أو أن ابن الله من طبيعة أو جوهر مختلف، ويقولون أنه عرضة للتبدل أو التغير، فأولئك تحرمهم الكنيسة الجامعة الرسولية.
وإذ نتبع -في كل شيء- اعتراف الآباء القديسين، الذي صاغوه بالروح القدس الناطق فيهم، وإذ نتبع ما في أفكارهم من معاني، وكما لو كنا نسير في الطريق الملوكي، فإننا نقول أن: كلمة الله الابن الوحيد، المولود من نفس جوهر الآب، إله حق من إله حق، نور من نور، الذي به كان كل شيء، ما في السماء وما على الأرض، وإذ نزل لأجل خلاصنا، وتنازل إلى إخلاء نفسه (في 2: 7-8)، فإنه تجسد وتأنس، أي أخذ جسدًا من العذراء القديسة، وجعله خاصًا به من الرحم، واجتاز في الولادة مثلنا، وولد كإنسان من امرأة، دون أن يفقد ما كان عليه، ولكن رغم أنه اتخذ لحمًا ودمًا فإنه ظل كما كان، الله في الطبيعة والحق، جليًا. فإننا نعلن أيضًا أن الجسد لم يتحول إلى طبيعة اللاهوت، ولا طبيعة كلمة الله الفائقة الوصف، تغيرت إلى طبيعة الجسد. فهو بصورة مطلقة غير قابل للتبدل أو للتغير. ويظل كما هو دائمًا حسب الكتب. حتى حينما كان منظورًا، وكان لا يزال طفلًا مقمطًا وفي حضن العذراء التي ولدته، فإنه كان يملأ كل الخليقة كإله، وكان حاكمها مع أبيه. لأن اللاهوت هو بلا قدر وبلا حجم، ولا يقبل أن يحد.
4- ولأننا نعترف أن الكلمة اتحد بالجسد أقنوميًا، فإننا نعبد ابن ورب واحد يسوع المسيح، دون أن نفصل ولا نميز الإنسان عن الله، كما لو كان الواحد متصل بالآخر بالكرامة والسلطة، لأن هذا هراء ليس أكثر. ولا نعطى لقب “مسيح” على التوازي لكلمة الله على حدة، ولمسيح ثاني، المولود من امرأة على حدة، بل نعترف بمسيح واحد فقط، كلمة الله الآب مع جسده الخاص. هو قد مسح كإنسان بيننا رغم أنه يعطى الروح للذين يستحقون أن ينالوه، وليس بكيل، كما يقول البشير المغبوط يوحنا (يو3: 34). كما أننا لا نقول أن كلمة الله سكن في المولود من العذراء القديسة، كما في إنسان عادى، لئلا يفهم أن المسيح هو إنسان حامل لله. لأنه رغم أن “الكلمة حل بيننا” (يو1: 14) حقًا وقيل أن في المسيح “يحل كل ملء اللاهوت جسديًا” (كو2: 9)، فإننا لا نظن أنه إذ صار جسدًا أن يقال عن حلوله أنه مثل الحلول في القديسين، ولا نعرِّف هذا الحلول فيه أنه يتساوى وبنفس الطريقة كالحلول في القديسين. ولكن الكلمة إذ اتحد بالجسد بحسب الطبيعة دون أن يتغير إلى جسد، فإنه حقق حلولًا مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان في جسدها الخاص.
5- لذلك فهناك مسيح واحد، ابن ورب، ليس بمعنى أنه إنسانًا حقق أو ملك مجرد اتصال مع الله، كإله، بواسطة اتحاد كرامة أو سلطة، لأن المساواة في الكرامة لا توحِّد الطبائع، فبطرس ويوحنا يتساويان في الكرامة الواحد مع الآخر، في كونهما رسولان وتلميذان مقدسان، لكن الاثنين ليسا شخصًا واحدًا! كما أننا لا نرى أن طريقة الاتصال هي وفقًا للمجاورة لأن هذه لا تكفى لتحقيق الاتحاد الطبيعي، ولا وفقًا لمشاركة اعتبارية مثلما نلتصق نحن بالرب كما هو مكتوب أننا روح واحد معه (1كو 6: 17)، لكننا نرفض تعبير “الاتصال” لأنه لا يعتبر كافيًا للدلالة عن الاتحاد. كما أننا لا نتكلم عن كلمة الله الآب كإله أو رب للمسيح، حتى نتحاشى أن نقطع المسيح الواحد إلى اثنين، الابن والرب، فلا نسقط في التجديف الأحمق بجعله إلهه وربه. وكما قلنا سابقًا، فإن كلمة الله قد اتحد بالجسد أقنوميًا، فهو إله الكون ورب الجميع الذي يحكم الكل، وليس هو عبد لنفسه ولا سيد لنفسه (يو 13: 12-16). وأن يعتقد أحد بهذا ويقوله هو أكثر حماقة وهو أيضًا تجديف. وقد قال أن الله أباه (يو 20: 17)، رغم أنه هو إله بالطبيعة ومن جوهر أبيه. ومع ذلك نحن ندرك أنه مع كونه إلهًا فإنه قد صار إنسانًا أيضًا خاضعًا لله حسب قانون الطبيعة الإنسانية. لكن كيف يصير إلهًا أو سيدًا لنفسه؟ لذلك كإنسان، وفيما يختص بما هو لائق لشروط إخلائه لنفسه (في 2: 7-8)، فهو نفسه يقول أنه خاضع لله مثلنا. وهكذا هو أيضًا “ولد تحت الناموس” (غل4: 4)، رغم أنه كإله هو معلن الناموس وهو واضع الناموس.
6- ولكننا نرفض أن نقول عن المسيح: “بسبب ذلك الذي ألبس أعبد اللابس، وبسبب غير المنظور أعبد المنظور”. إنه أمر بشع أن يقال أيضًا: “إن المتَخَذ، يدعى الله مع الذي اتخذه”. [2] فالذي يقول ذلك، يقسم المسيح الواحد إلى اثنين، وبالتالي فإنه يجعل الناسوت واللاهوت مفترقين أيضًا. والذي يقول ذلك ينكر الاتحاد الذي بمقتضاه لا يُسجد للواحد مع الآخر أو يدعى الله، ولكن المقصود هو الواحد المسيح يسوع، الابن الوحيد الجنس، الذي يكرم بسجدة واحدة مع جسده الخاص. ونحن نعترف أنه هو الابن المولود من الله الآب، والإله المولود الوحيد، ورغم أنه غير قابل للألم بحسب طبيعته الخاصة، فقد تألم من أجلنا في جسده الخاص حسب الكتب، وفي جسده المصلوب وهو غير القابل للألم جعل آلام جسده آلامه هو. لأنه بنعمة الله ولأجل الجميع ذاق الموت (عب 2: 9)، بإخضاع جسده الخاص للموت رغم أنه بحسب الطبيعة هو الحياة وهو نفسه القيامة (أع 4: 2). ولكي بواسطة قوته الفائقة بعد أن داس الموت في جسده الخاص يصير أولًا “البكر من الأموات” (كو 1: 18) و“باكورة أولئك الذين رقدوا” (1كو 15: 20)، لكي يمهد السبيل إلى قيامة عدم الفساد أمام طبيعة الإنسان (1كو 15: 53)، وبنعمة الله، كما سبق أن قلنا، ذاق الموت لأجل الجميع، ولكنه قام حيًا في اليوم الثالث بعد أن سلب الجحيم. والنتيجة أنه، حتى إن كان يمكن أن يقال عن قيامة الأموات أنها صارت “بواسطة إنسان” (يو11 :25)، فلا نزال نفسر هذه العبارة بأنها تعنى كلمة الله المتأنس الذي حل سلطان الموت. وهو سيأتي في الوقت المناسب كالابن الواحد والرب في مجد أبيه ليدين المسكونة بالعدل كما هو مكتوب (مز 98: 9، أع 17: 31).
7- ولكن من الضروري أن نضيف هذا أيضًا. في إعلاننا بموت ابن الله الوحيد حسب الجسد (1كو 11: 26) أي موت يسوع المسيح، فإننا نعترف بقيامته من بين الأموات وصعوده إلى السموات، حينما نقدم الذبيحة غير الدموية في الكنائس، وهكذا نتقبل البركات الروحية ونتقدس بالتناول من الجسد المقدس والدم الكريم اللذان للمسيح مخلصنا كلنا. ونحن نفعل هذا لا كأناس يتناولون جسدًا عاديًا، حاشا، ولا جسد رجل متقدس بسبب اتصاله بالكلمة وفقًا لاتحاد في الكرامة، ولا كواحد قد حصل على حلول إلهي، بل باعتباره الجسد الخاص للكلمة نفسه المعطى الحياة حقًا. ولأنه الله فهو الحياة بحسب طبيعته، ولأنه صار واحدًا مع جسده الخاص، أعلن أن جسده معطى الحياة. لأنه رغم أنه يقول: “الحق أقول لكم، إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه” (يو6: 53) لا يجب أن نستخلص من هذا أن جسده هو جسد واحد من الناس منا (لأنه كيف يكون جسد إنسان ما محييًا بحسب طبيعته الخاصة؟)، ولكنه بالحقيقة الجسد الخاص للابن الذي صار إنسانًا كما دعى ابن الإنسان لأجلنا.
8- أما بالنسبة لأقوال مخلصنا في الأناجيل فإننا لا نقسمها إلى أقنومين أو إلى شخصين، لأن المسيح الواحد الوحيد ليس فيه ثنائية رغم أننا نعتبره من عنصرين مختلفين اتحدا في وحدة غير منقسمة، وبنفس الطريقة فإننا مثلًا لا نعتبر أن في الإنسان ثنائية مع أنه يتكون من عنصرين هما النفس والجسد. يجب أن تكون لنا نظرة صحيحة فنعتقد أن الأقوال التي تخصه كإنسان أو تلك التي تخصه كإله هي لمتكلم واحد. فحينما يقول عن نفسه بالألفاظ التي تناسبه كإله: “من رآني فقد رأى الآب” (يو 14: 9) و“أنا والآب واحد” (يو 10: 30)، نفهم طبيعته الإلهية التي تفوق الوصف التي بحسبها هو واحد مع أبيه بسبب وحدة الجوهر، وهو أيضًا صورته ومثاله وشعاع مجده (عب 1: 3). ومن ناحية أخرى، فإنه يقدِّر حدود الإنسانية فيقول لليهود: “ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق” (يو 8: 40)، لكن حدوده البشرية هذه لا تقلل من إدراكنا له بأنه الله الكلمة المساوي والمماثل للآب. لأنه من الضروري أن نؤمن أنه بينما هو الله بالطبيعة، فقد صار جسدًا، أي صار إنسانًا محيًا بنفس عاقلة، فلماذا يخجل أي إنسان من أي أقوال تناسب الإنسان، تكون قد صدرت منه؟ لأنه لو كان قد تحاشى الكلمات التي تناسب الإنسان، فما الذي أجبره أن يصير إنسانًا مثلنا؟ فلأي سبب يتحاشى –ذاك الذي نزل لأجلنا إلى إخلاء نفسه الاختياري- الكلمات المناسبة للإخلاء؟ وبالتالي تنسب كل الأقوال التي في الأناجيل إلى شخص واحد، إلى أقنوم الكلمة الواحد المتجسد، لأنه بحسب الكتب هناك رب واحد يسوع المسيح (1كو 8: 6).
9- ولكن إن كان يدعى: “رسول ورئيس كهنة اعترافنا” (عب 3: 1) لأنه يقدم لله الآب اعتراف إيماننا الذي ننقله إليه وبواسطته لله الآب، وأيضًا للروح القدس، كذبيحة لله الآب، فإننا نؤكد ثانية أنه بحسب الطبيعة هو ابن الله الوحيد الجنس. ولا ننسب لقب وحقيقة كهنوته إلى إنسان آخر غيره. لأنه صار وسيط بين الله والإنسان (1تى 2: 5)، ووكيل مصالحة السلام، إذ قدم نفسه لله الآب رائحة طيبة (أف 5: 2). لذلك قال: “ذبيحة وقربانًا لم ترد ولكن هيأت لي جسدًا، بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر، ثم قلت هانذا أجيء في درج الكتاب مكتوب عنى، لأفعل مشيئتك يا الله” (عب 10: 5-7 , مز 40: 7-9). لأنه قد قدم جسده الخاص رائحة طيبة لأجلنا وليس لأجل نفسه. لأن ما هي حاجته وهو الله السامي تمامًا عن الخطية، لتقديم تقدمة أو ذبيحة لأجل نفسه؟ لأنه “إن كان الجميع قد أخطأوا وأعوزهم مجد الله” (رو 3: 23) بمعنى إننا معرضون للانحراف، وطبيعة الإنسان تضعف تمامًا بالخطية. لكن إن لم يكن هذا هو حاله وبالتالي نحن أدنى من مجده، فكيف إذن يبقى هناك شك في أن الحمل الحقيقي قد ذبح من أجلنا وعوضًا عنا؟ إن القول بأنه قد قدم نفسه من أجل نفسه ومن أجلنا لا يمكن بأي حال أن يفلت من تهمة الكفر. إنه لم يخطئ بأي شكل، ولا فعل أي خطية. إذن، منطقيًا، أية ذبائح يحتاجها، إن لم تكن هناك أية خطية تقدم من أجلها ذبيحة.
10- ولكن حينما يقول عن الروح: “ذاك يمجدني” (يو 16: 14) فنحن، بصواب نفهم، أنه لا يعنى أن المسيح والابن الواحد، كان ينقصه المجد من آخر، فاكتسبه من الروح القدس، وذلك لأن روحه ليس أسمى منه ولا فوقه. ولكنه يقول أنه يمجده لأنه استخدم روحه القدوس للقيام بالأعمال العظيمة ليظهر لاهوته الشخصي، مثلما يتكلم إنسان عادى منا مثلًا عن قوة بدنية أو مهارة معينة له بأنها تمجده. لأنه رغم أن الروح يوجد في أقنوم متمايز، ويعرف بالتحديد إنه هو الروح وليس الابن، إلا أنه مع ذلك ليس غريبًا عن الابن، لأنه يدعى روح الحق والمسيح هو الحق، والروح يرسل منه (يو 16: 13)، كما أنه يرسل بلا شك من الله الآب أيضًا. لذلك فإن الروح صنع عجائب بأيدي الرسل القديسين بعد صعود ربنا يسوع المسيح إلى السماء، وبذلك مجده. لأنه بواسطة عمله الشخصي من خلال روحه الخاص نؤمن أنه هو الله بحسب الطبيعة. ولهذا السبب قال أيضًا: “لأنه يأخذ مما لي ويخبركم” (يو 16: 14). ونحن لا نؤكد ولا للحظة أن الروح حكيم وقوى نتيجة المشاركة، لأنه كلى الكمال ولا ينقصه أي صلاح. ولكن حيث أنه روح قوة الآب وحكمته أي روح الابن، فهو بكل الحق الحكمة والقوة المطلقة.
11- وحيث أن العذراء القديسة ولدت جسديًا، الله متحدًا بالجسد حسب الأقنوم، فنحن نعلن أنها والدة الإله، ليس أن طبيعة الكلمة تأخذ بداية وجودها من الجسد لأنه “(أي الكلمة) كان في البدء، والكلمة كان الله، وكان الكلمة عند الله” (يو 1: 1)، وهو بشخصه خالق الدهور، وهو أزلي مع الآب، وخالق كل الأشياء. لكن، لأنه كما سبق وقلنا إنه إذ وحَّد الإنساني بنفسه أقنوميًا، وجاز الولادة الجسدية من بطنها، فلم تكن هناك ضرورة لميلاد زمني وفي آخر الدهور، لطبيعته الخاصة. لقد ولد لكي يبارك أصل وجودنا نفسه، ولكي بولادته من امرأة حينما يتحد بالجسد ترفع عن كل الجنس (البشرى) اللعنة التي ترسل أجسادنا من الأرض إلى الموت، وبواسطته أبطل القول: “بالوجع تلدين أولادًا” (تك 3 : 16) لكي يظهر صدق قول النبي: “الموت إذ قوى قد ابتلعهم” (من الترجمة السبعينية هو13: 14)، وأيضًا: “يمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه” (أش 25: 8). هذا ما يجعلنا نؤكد أنه هو شخصيًا قد بارك الزواج بتجسده وباستجابته للدعوة للذهاب إلى قانا الجليل مع الرسل القديسين.
12- لقد تعلمنا أن نعتقد بهذه الآراء من الرسل القديسين والبشيرين، ومن كل الأسفار الموحى بها، ومن الاعتراف الصادق لآبائنا المباركين. إنه من الضروري أن تقواك أيضًا ترضى بكل هذه وتوافق على كل واحدة بدون خداع. إن ما يلزم أن تحرمه تقواك قد ألحق بهذا الخطاب المرسل منا.
———————————————————————————————————–
[1] Lionel R. Wickham, Cyril of Alexandria Select Letters, Oxford At the Clarendon Press, 1983, p.12-33
[2] Loofs, Nestoriana, p, 262.3,4,11, and 12.
Share this content:
إرسال التعليق