ميلاد المسيح وصبوته السعيدة – الأب متى المسكين
ميلاد المسيح وصبوته السعيدة
الأب متى المسكين
تفسير لقصة الميلاد من إنجيل معلمنا لوقا البشير ــ الإصحَاحُ الأول (الجزء الأول)
أن يبدأ ق. لوقا إنجيله بميلاد المسيح فهذا بمثابة إدخال حياة المسيح كُلِّها وأعماله في دائرة سر الله. فكوننا نعرف يقيناً ومن فم شهود عيان أن المسيح وُلد من الروح القدس ومن عذراء قديسة، يعني أننا صرنا من أول الطريق وفي أول خطوة أمام حياة إنسان مقتدر اقتدار الله في كلامه وأعماله. فهذا كان رأي خُدَّام رئيس الكهنة الذين أُرسلوا ليقبضوا عليه عنوة ويحضروه، فبعدما وقفوا أمامه وسمعوا كلامه لم يستطيعوا أن يلمسوه بل ذهبوا مذهولين. ولمَّا سألهم رئيس الكهنة: لماذا لم تأتوا به؟ كان ردُّهم: » لم يتكلَّم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان « (يو 46:7). فهو إن تكلَّم يتكلَّم كإنسان، ولكن ليس كأي إنسان قط. وإن عمل يعمل ولكن يبدو عمله أنه ليس عمل إنسان قط. فميلاده من العذراء القديسة أعطاه هيئة إنسان، ولكن ميلاده من الروح القدس أعطاه أن يُظهر قوة الله: »الله ظهر في الجسد« (1تي 16:3). فلأنه وُلد كإنسان أمكن أن يموت بالجسد لمَّا حمل خطايانا في جسده، ولكن لأنه وُلد من الروح القدس قام من الأموات، ولأنه وُلد كإنسان دُعي ابن الإنسان، ولأنه وُلد من الروح القدس دُعي القدوس ابن الله.
إذن، لكي يسرد ق. لوقا كل حياة المسيح وأعماله وأقواله كان يتحتَّم أن يكشف أولاً سر ميلاده من العذراء القديسة مريم ومن الروح القدس، وإلاَّ تصبح أقواله وأعماله غير مفهومة.
كذلك، فإن ميلاد المسيح من عذراء قديسة بالروح القدس كان بحد ذاته معجزة عظمى. وهكذا كان ينبغي أن تتم هذه المعجزة العظمى ليصنع المسيح من واقع حياته وكيانه هذه المعجزات الكبرى التي أكملها في حياته. لذلك صحَّ قول إشعياء النبي في التعبير عن اسمه: »ويُدعى اسمه عجيباً« (إش 6:9). نعم، فالذي دُعي اسمه عجيباً فهو حتماً يكون صانع عجائب.
بهذا نرى أن ميلاد المسيح في حقيقته الإلهية هو مفتاح فهم شخص المسيح وأعماله وكل أقواله. أمَّا لماذا بدأ ق. لوقا بسرد رواية ميلاد المعمدان ثم المسيح، وبعد ذلك تشابكا معاً حتى افترقا بموت المعمدان، ذلك لأن ميلاد المسيح لم يبدأ من بيت لحم بل من وعد سابق سحيق الزمن بدأ من زمن إبراهيم بل من فم الله لحواء، فهو النسل الذي سيسحق رأس الحية، وهو النسل الذي ستتبارك فيه كل أُمم الأرض. لذلك تحتَّم أن يكون هناك شاهدٌ للنبوَّة وممثلٌ للعهد القديم يسبق المسيح ليسلِّمه العهد ويسلِّمه النبوَّة:
+ »وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذي أرسلني لأعمِّد بالماء، ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه، فهذا هو الذي يعمِّد بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله.« (يو 1: 33و34)
والمُلاحَظ أن خدمة المسيح بدأت عندما انتهت خدمة المعمدان: إذ لمَّا سمع المسيح أن يوحنا أُسلم للموت، صعد المسيح إلى الجليل ليبدأ كرازته(مت 12:4)، وعندما سمع المعمدان أن المسيح بدأ أعماله الإعجازية قال: »إذاً فرحي هذا قد كمل. ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص … مَنْ له العروس فهو العريس، وأمَّا صديق العريس الذي يقف ويسمعه يفرح فرحاً من أجل صوت العريس. الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع، والذي من الأرض هو أرضي، ومن الأرض يتكلَّم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع« (يو 3: 29–31)، »أنا أُعمِّدكم بماءٍ ولكن يأتي مَنْ هو أقوى مني … هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار« (لو 16:3). هكذا لابد من الماء، وهكذا لابد من الروح القدس.
وخدمة المعمدان سجَّلتها الكنيسة في خزانة طقوسها لتكون هي بداية الغسل للتغيير، وبعدها الميلاد بالروح للبس الإنسان الجديد. (يتبع)
——————————————-
لمتابعة تفسير أنحيل القديس لوقا
(الجزء الثاني) الخاص بميلاد المخلص
↓↓ أضغط على الصورة ↓↓
Share this content:
إرسال التعليق