×

(7) قصد لاهوتي مضاد للواقع الكرازي

(7) قصد لاهوتي مضاد للواقع الكرازي

بحث واقعي

لحقيقة واقعنا الكرازي المعاش والمبادئ المثالية

المعطي السابع:

قصد لاهوتي مضاد للواقع الكرازي

وكبداية طيبة لرؤية كرازية واقعية .. يجب أن نبدأ بالنتيجة المترتبة على فلسفة الفصل التي أنكرت على العهد القديم صحة نسبة, كعهد سابق أفرز عهداً جديداً بمبادرة العمل الإلهي الخلاصي, والذي سبق فأخبر عنها بكل دقة بالكثير من نبوات عهد .. سحابة النبوة, وعمود النار الذي لا يطفأ.

فإن تنازلنا عن العهد القديم لقساوته, فيجب علينا أن نستمر في التنازل عن الكثير من العهد الجديد أيضاً! لعدم كمال مثاليته ونقصان أعلان محبته الإلهية, وعلى سبيل المثال وليس الحصر: المجئ الثاني ليسوع المسيح كديان عادل يجازي كل واحد بحسب أعماله بالعدل!! ووعود المسيح بهلاك المؤمنين إن لم يتوبوا! ولعن المسيح لشجرة التين الغير مثمرة! ويلات المسيح التي كانت في العهد الجديد, عهد النعمة والخلاص! وهلاك المعمدين حنانيا وسفيرة! وحرومات بولس للخطاة المعمدين بل وتسليمهم للشيطان! وتهديدات الرب عن لسان يوحنا للراعي إن لم يتب سيزحزح منارته! وكذلك كل سفر الرؤيا المملوء بسلبيات العقاب والهلاك, لذا يجب نزع هذا السفر ــ سلبي الإعلانات ــ من مكانه من بين ضفتي الكتاب المقدس, كخاتم للخلاص المعلن في كل الأسفار المقدسة, وإلغاء توعد الرب مضايقينا بمجازة الضيق! ورضى إله العهد الجديد بالقتل بحجر الرحى حتى الغرق التام! وأعداد الله جحيماً للأشرار!! …. والكثير والكثير … إلخ, لأن تعداد آيات العهد الجديد المخالفة للمثالية المزعومة لا ينتهي.

وخروجاً من هذه المَأزق أخترع الغرب تفسيرات معنوية وهمية تفرغ النص الإنجيلي من معناه الواقعي الملموس, ليكون القصد اللاهوتي التفسيري غير القصد الكرازي الواقعي! وهنا نسأل هؤلاء .. هل كان الأنجيل عاجزاً عن ذكر القصد المعنوي بطريقة مباشرة؟! ليريحنا من أبتكارات العقول اللاهوتية الغربية التي بذكائها الحاذق الخارق قد انهت وأجهزت على وجود الكرازة في واقع بلاد العم سام!

 لندرك ضرورة فهم الواقع اللاهوتي المترَدي الموجود بالفعل في العالم الغربي المبشر بفلسفات أفكار الناس, المفتخر بالرزائل التي يلقبها بألقاب مثالية لا تمت لواقع الضعف البشري في شىء, فيطلق على الفجور حرية! بل لا يُسمح لأحد التدخل لتقيم حريته وتنسيق عملها الكرازي في وسط الجماعة, فيتمسك المتحرر بالوهم بنواقص الطبيعة البشرية التي يلقبها بـ الحق الإنساني الطبيعي, فلا يرى ضرورة لتغييرها وتصحيحها للنهوض بها من وحل الخطية.

فكل ما قد فعله المؤمن الغربي ليريح ضميره المتعب هو أنه قد غير أسماء الخطايا فقط, فالفجور صار حرية” فيصرخ معلياً صوته نعم وألف نعم .. فإن حرركم الأبن فبالحقيقة تصيرون أحراراً!! وهكذا صار الزنا حق إنساني فهو الحب المطهر أساس خلقة الإنسان, والأنانية صارت التفرد والتميز الإنساني الشخصي الغير متكرر … إلخ, وهكذا تغييرت أسماء الرزائل فقط, لتدخل إلى عمق التفسيرات اللاهوتية, متنكرة تحت مسميات حسنة السمعة, وهكذا  قُضي على الكرازة بين الناس, فكلً من المؤمنين يعيش في صندوقه الخاص به في وحدة مميته حقاً.

فما حاجة الإنسان الغربي للمسيح .. إن كان هو بلا خطية! ليصرخ دائماً بأنه أبن الله! فقد أختفى الضعف والنقص الإنساني الذي يحتاج لتكميل حجر الزاوية, لأن أنانيته صارت حقه الطبيعي, وأما حرية فجوره أصبحت أساس لخلقته الذي جبله عليها الله, فأبسط رد تسمعه من هؤلاء: “هكذا خلقني الله!! فماذا يجب علّيَ أن أفعل تجاه إرادة الله الذي خلقني بيديه كما أنا هكذا!! لنتأكد بهذا أن الرزائل قد بدلت أسمائها من أجل الفردية الأنانية لتقوم بهدم البناء الواقعي الكرازي الجمعي الذي لكنيسة المسيح.

فالإنسان الغربي متأكد بأنه مكتمل الإنسانية برزائله وأنانيته, ولا يشعر على الإطلاق بحاجته للمسيح المخلص, فهو بلا خطية ويمارس حرية لا تعرف الإلتزام سوى بكل مكسب مادي, وهو أيضا لا يشعر بالأخر لأنه لا يرى مقدار أنانيته التي فتتت وحدة الجسد الواحد في المجتمع الكرازي الواقعي, ليرفض العمل السلوكي الصالح, مكتفياً بفلسفة حمل المسيح لنا في جسده الواحد الجالس عن يمين الله الآب! نعم وبكل حزن .. أن أقدس أعمال المسيح الخلاصية تتحول في حياة الغربين إلى مجرد فلسفة وهمية وحسب, لأن العمل والفعل الروحي الواعي لعمل المسيح قد سقط! ليصبح مجرد بشارة بفلسفة الكلام.

لنتأكد بأن مثالية العهد الجديد يجب أن لا ترتبط بتفسيرات فكرية تضاد الواقع الكرازي الخدمي, بل يجب أن لا تتخلى الكنيسة عن واقعها الذي جاءت منه, ولا تحتقر صلة الرحم الذي يربطها بميلادها الأول منذ خلقة آدم, ولا تحتقر أصول نشأتها مهما كان تقيمها الحالى لها, لترتبط بسر واقع إنسان العهد القديم الصاعد من الحضيض إلى دعوة سمائية ليست من هذا العالم!

لأن الخلقة الجديدة الروحية ذاتها قد أحترمت أصول الخلقة الأولى فلم تغييرها, بل قد أبقت عليها كما هي دون أن تنهي عليها, بل هو جديد يُلبس على القديم. لأَنَّ هذَا الْفَاسِدَ لاَبُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ. (1كو 15: 53), فَإِنَّنَا فِي هذِهِ أَيْضًا نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ. (2كو 5: 2), فَإِنَّنَا نَحْنُ الَّذِينَ فِي الْخَيْمَةِ نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ الْمَائِتُ مِنَ الْحَيَاةِ. (2كو 5: 4).

والآن وقد وصلنا إلى المراد والهدف الذي يجب دراسته عن كثب وأهتمام, لتقييم فشل الإصلاح الغربي في القرن السادس عشر في إدراك حقيقة الواقع الكنسي المتوارث والمعاش اليومي, ليتبنى هذا الإصلاح الأعتراضي على الفساد والباحث عن المثالية في مثاليات لاهوتية أفرغت الأنجيل من تلامسه مع حياة الناس الواقعية,  وأجهضت الكرازة بمثاليات لاهوتية لا تمتدد للواقع الكرازي بصلة, لتتسبب للكرازة في عقم دائم, لتباع الكنائس الإصلاحية الفارغة في الغرب على صفحات الجرائد كصالات للرقص والأفراح والليالي الملاح!

فبالحق والحقيقة ..

لا يمكن فصل العهد القديم عن العهد الجديد عهد النعمة والخلاص

لان العهد القديم هو تاريخ خلاص الإنسان من الحضيض إلى صورة المجد المعلنه في المسيح يسوع, إن تاريخنا هو خبرة حية تُسلَمَ للأجيال القادمة كما هي بكل ما فيها ومهما كان تقيمنا لها, لأنه حق الأجيال القادمة علينا, أن تعرف تاريخها الحقيقي بلا حذف وبلا تجميل, بكل إيجابياته وسلبياته مهما كانت بشاعتها, لتُقدر عمل النعمة في العهد الجديد, لتدرك كم صبر الرب واحتمل عوائد لا علاقة له بها وَنَحْوَ مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، احْتَمَلَ عَوَائِدَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ. (أع 18:13 ), ليحفظ للإنسان حريته الكاملة بلا نقصان, لينمو الإنسان رويداً رويداً إلى تلك الصورة عينها.

لذا لا ينبغي علينا الأكتفاء بنتيجة التجربة (العهد الجديد) وحسب , بل ينبغي علينا الاحتفاظ الكامل بكل خطوات التجربة (العهدين), وإلا دخلنا إلى مرحلة الأستهلاك المدمرة, فالمستهلك لا يهتم بشئ سوى التلذذ بسلعته المحببة في صورتها النهائية المغلفة (أي العهد الجديد)! لأنه بهذا المنهج الإستهلاكي تسقط صناعة الكرازة والقديسين, ليتحول الإيمان بالمسيح إلى دعوة مثالية للأستهلاك الفكري وحسب, بلا واقع يحمل في طياته كل ما في الإنسان من ضعف وقصور ورزائل, فتتحول الكرازة إلى مجرد دعوة مثالية فكرية مجهولة بلا تاريخ وبلا أصول وبلا معرفة ذاتية لأصول نشأتها, فيغيب عن الوعي الكرازي وسيلة التطور الفعلية المحققة في فاعليتها, لتتبني الكرازة وسائل أخري وهمية لا تحقق التطور المنشود (الخلقة الجديدة), فتتغرب الكرازة عن الحياة الإنسانية الحقيقية بضعفاتها وأحتياجاتها المستمرة للمتابعة وللتوبة عن الأعمال الرديئة, لضمان سلامة النمو والتطور اللائق بحياة سمائية فيها لا يزوجون ولا يتزوجون!!

فهل سنتبنى مثالية لاهوتية غير واقعية  قد أثبتت فشلها الكرازي الزريع في الغرب؟!!    (يتبع)

————————————-

الفصل الواجب بين واقع الكرازة العملي ومثالية الوهم والخيال

الواقع والمبادئ (8) مثالية الوصية المطلقة خراب!

↓↓ أضغط على الصورة ↓↓

(8) مثالية الوصية المطلقة خراب!

Share this content:

إرسال التعليق

You May Have Missed