×

أهمية الآباء القديسين في اللاهوت الأرثوذكسي – الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس

أهمية الآباء القديسين في اللاهوت الأرثوذكسي – الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس

أهمية الآباء القديسين في اللاهوت الأرثوذكسي

الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس

من المهم بالنسبة لنا أن نرى ماهو وماهية الأساس الرئيسي لعلم اللاهوت الأرثوذكسي، لأنه يوجد حالياً تقليدان كبيران (صنفان أو نوعان من علم اللاهوت).

النوع الأول:

هذا النوع من علم اللاهوت يعتمد بصورة رئيسية على المنطق، وهو مؤسس على ما وراء الطبيعة الخاصة بالفلاسفة الإغريق الكلاسيكيين، والتي هي خليط من الخيال والتأمل والنشاط الذهني بصورة رئيسية.

هذا النوع من “علم اللاهوت” المبني على ما وراء الطبيعة, تولدت منه السكولاستية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر. على أية حال، قد أدى تطور العلوم الإيجابية فيما بعد إلى تسديد ضربة لكل من ما وراء الطبيعة، وللفلسفة.

يقول الأستاذ الأب يوحنا رومانيدس: أن الناس في الغرب لم يعودوا يؤمنون بما وراء الطبيعة الخاصة بالفلاسفة الكلاسيكيين. وبمقدار ما هوجمت الفلسفة وعلوم ما وراء الطبيعة في الغرب، هكذا أيضاً هوجم “علم اللاهوت” الغربي الذي كان مؤسساً على ما وراء الطبيعة.

هذا هو السبب الذي جعل نيتشه في الغرب، والآخرين من بعده، يصلون لاستنتاج أن الله مات. يوجد في الواقع “علم لاهوت خاص بموت الله” في لاهوت ما وراء الطبيعة!!

لقد مات “الله” حقاً، ولكن الذي مات في اللاهوت الفوق الطبيعة ليس هو الله, بل هو مجرد “إله” ما وراء الطبيعة المرتبط بالخيال، والذي هو “إله” غير موجود في الأساس. هذه هي الفئة الأولى، أو النوع الأول من اللاهوت الفلسفي ما وراء الطبيعة, وهو تعبير ضخم عن “علم اللاهوت الغربي”.

النوع الثاني:

النوع الآخر من علم اللاهوت، أي علم اللاهوت الأرثوذكسي، دعمه آباء الكنيسة القديسون. فآباء الكنيسة القديسون هم حملة التقليد والإعلان. فقد تلقوا الإعلان ثم نقلوه لآخرين. لم يتكلم الآباء عن الله مستخدمين خيالهم وتصورهم، ولكن من منطلق خبرة اتحادهم بالله.

هذه الطريقة هي في الحقيقة علمية كما يقول الأب يوحنا رومانيدس. ينظر الطبيب للميكروب من خلال مجهره، ثم يشفي المريض. يراقب الفلكي النجوم ثم يرسم استنتاجاته. يتضمن العلم على المستوى الإنساني الملاحظة والتجربة. ينطبق نفس الشيء بالضبط على علم اللاهوت الخاص بالآباء القديسين حيث توجد الملاحظة والتجربة أولاً.

فأولاً وقبل كل شيء توجد التجربة والملاحظة، لأن الآباء القديسين وصلوا للاتحاد بالله وعاينوه. ففي علم اللاهوت الأرثوذكسي يكون الاتحاد بالله ومعاينة النور غير المخلوق واحداً. رأى الآباء مجد الله، الذي هو ملكوت الله وأسراره.

تكلم القديس بولس عن الله لأنه كان قد وصل للثايوريا (معاينة الله) وأبصر المسيح في مجده. ولأنه اختبر رؤية الله، فقد أعلمنا في رسائله بالعديد من الأسرار التي لم يكشفها المسيح لتلاميذه أثناء حياته الأرضية. فمثلاً، تعليم القديس بولس عن أن الكنيسة هي جسد المسيح غير موجود في الأناجيل المقدسة.

وكما نعلم، كان القديس بولس معتاداً على اضطهاد المسيحيين. وعندما ظهر له المسيح في طريقه إلى دمشق سأله: لماذا تضطهدني؟ (أع14:26). لقد كان يضطهد المسيحيين، لذا فقد سأله السيد المسيح: لماذا كان يضطهده؟!

في رؤية الله هذه وفي خبرات أخرى، فهم القديس بولس أن المسيح مرتبط بالكنيسة. فالمسيح هو رأس الكنيسة والكنيسة هي جسد المسيح. يحدث نفس الشيء بالضبط مع كل الآباء، إذ لديهم خبرة شخصية مع الله تسبق دائماً أي حديث لاهوتي.

في نفس الوقت توجد التجربة ممكنه للجميع، لأن أي شخص يستطيع تكرار الملاحظات التي وضعها القديسون الآباء. لذا يستطيع أي إنسان أن يتبع نفس الطريقة, مثل الآباء فيصل لنفس النتائج.

إننا مدينون للآباء، الموجودين حتى يومنا هذا، بجزيل من الشكر. هذا ما يجعلنا نقول أن الطريق العلمي الروحي الوحيد للاقتراب من المسائل اللاهوتية كما أرادها الله هو من خلال القديسين، لأن القديسين يعيشون نفس حياة الأنبياء والرسل. تماماً مثلما يفهم الأطباء بعضهم بعضاً جيداً، وتماماً كما يفهم المهندس زميله، هكذا لدى القديسين فهماً ممتازاً للقديسين الآخرين.

Share this content:

إرسال التعليق

You May Have Missed