×

قضية الشفاعة – دكتور جميل نجيب سليمان

قضية الشفاعة – دكتور جميل نجيب سليمان

قضية الشفاعة
دكتور جميل نجيب سليمان

العناصر الرئيسية:

أولاً: شهادة كلمة الله: 
1. «صلُّوا بعضكم لأجل بعض»؛
2. الله يُكرم قديسيه؛
3. عن شفاعة المنتقلين؛

4. عن شفاعة الملائكة؛
5. الله يقبل وساطة قديسيه:
أ – من العهد القديم، ب – من العهد الجديد.

ثانياً: نحن والقديسون.

ثالثاً: الكنيسة وشفاعة القديسين:
1. في ليتورجيا الصلوات والتسبيح؛ 2. في ليتورجيا القداس؛

3. أعياد القديسين؛ 4. الأيقونات؛ 5. أجساد القديسين؛ 6. البخور؛ 7. أسماء الكنائس والمذابح.

ونقصد هنا شفاعة القديسين. فلا توجد قضية بالنسبة لشفاعة المسيح  الشفيع الكامل ووسيط العهد الجديد (عب 9: 15؛ 12: 24)، والأفضل (عب 7: 22)، والأعظم (عب 8: 6) – والذي صار كفَّارة(1) لخطايانا وخطايا العالم كله (1يو 2: 2،1)، وشفع في المذنبين (إش 53: 12) بدمه وموته وقيامته. وبخلاصه الذي انتظرته الأجيال صار الوسيط الواحد بين الله (الآب) والناس (1تي 2: 5) فليس بأحد غيره خلاص (أع 4: 12). وبفعل ذبيحته الكاملة وفدائها الأبدي (عب 9: 12) يخلص إلى التمام الذين يتقدَّمون به إلى الآب مؤمنين «إذ هو حيٌّ في كل حين ليشفع فيهم» (عب 7: 25)، وتُقبل توبتهم وتُغفر خطاياهم وتدخل صلواتهم إلى ما وراء الحجاب، وتظل شفاعته فاعلة حتى يوم مجيئه عندما يختم مهمته الخلاصية بتمجيد قديسيه ودينونة الرافضين.

كما لا توجد قضية بالنسبة لشفاعة الروح القدس الذي يقود إلى الإيمان، ويُساند الجهاد، ويُقدِّس الحياة ( رو 1: 4؛ 1كو 6: 11؛ 2تس 2: 13)، ويشفع فينا بأنَّات لا يُنطق بها (رو 8: 26)، ويُعزِّي في الآلام (يو 14: 16)، ويشهد للمسيح (يو 15: 26)، ويرشد إلى جميع الحق (يو 14: 17؛ 15: 26؛ 16: 13)، ويترافع عنا وقت الاضطهاد والمحاكمات (مت 10: 20،19).

وحتى خمسة قرون خلت لم تكن هناك قضية بالنسبة لشفاعة القديسين – صلواتهم وطلباتهم وتوسُّلاتهم من أجل المؤمنين – ولم يكن بينها تناقُض وبين شفاعة المسيح الفريدة. وكان مفهوماً حدود الدور الذي رسمته لهم إرادة الله ونعمته، كأعضاء أحياء ضمن الكنيسة المنتصرة أو كرفاق للمؤمنين في الكنيسة المجاهدة، تؤيِّده أحداث الكتاب المقدس ووصاياه على مدى العصور.

ولم تتحوَّل شفاعة القديسين إلى قضية جدلية لا داعي لها إلاَّ في القرون المتأخِّرة عندما غالى البعض في قيمة دورهم(2)، الأمر الذي رآه غيرهم تجاوزاً، ومَن ثمَّ استبعدوه كلِّيةً إذ رأوا فيه انتقاصاً من عمل المسيح الكفَّاري – رغم مجافاة هذا الفكر لروح الكتاب – فحرموا أنفسهم ومن تبعهم دون مبرر من معونة أتاحتها نعمة الله. وإذا كان للجرعة الزائدة من أي دواء مضارها، فالطبيعي هو الالتزام بشروط استخدامه، ولا تكون الدعوة إلى عدم تناوله لأن العيب لم يكن في الدواء.

وكانت هذه هي البداية التي أدَّت، مع أسبابٍ غيرها، إلى انقسام الكنيسة مرة أخرى. وبمُضيّ السنين بدأ التخلِّي عن كثير من أُسس الحياة الكنسية وعقائدها وتقاليدها. وطال التغيير شكل الكنيسة نفسها، فتجرَّدت من هيكلها ومذبحها وصور شهدائها وقديسيها. وهكذا استُبعِد الجيد مع الرديء، وعانى جسد المسيح جراحاً جديدة، وتضاعفت المصاعب أمام وحدة الكنيسة.

هذه، إذن، القضية التي نحن بصددها: شفاعة القديسين. وها نحن نعرضها في ضوء كلمة الله والفكر الآبائي الأرثوذكسي.

+ مقدمة لُغوية:

المعنى الحرفي للشفاعة Intercession – ضمن معانٍ أخرى في العربية كالمعونة والإضافة والإقران – هو الوساطة والتدخُّل لحساب مَن يحتاج لدى مَن يملك الحاجة، ويُقابلها في اللغة اليونانية عدد من الكلمات مثل: باراكليتوس وباراكليتون parakleton (باراقليط)، وتعني وسيط mediator، شفيع، محامٍ، محاجّ، معزٍّ (أي 16: 2؛ يو 14: 26،16؛ 15: 26؛ 16: 7؛ رو 8: 34،27،26؛ عب 7: 25؛ 1يو 2: 1)؛ وإنتينخاني (هكذا تُنطق في اليونانية) entygkhanei بمعنى يتوسل، يتضرَّع، يلتمس، يستغيث (دا 6: 13،12؛ أع 25: 24؛ رو 11: 2؛ 1تي 2: 1؛ يع 5: 16).

فالمقابل اليوناني واحدٌ سواء في شفاعة الابن أو الروح القدس، من ناحية؛ أو شفاعة وتوسُّل وطلبات الكنيسة والقديسين، من ناحية أخرى؛ رغم الفارق في المعنى بين الشفاعتين (وربما كان هذا سبباً في إثارة القضية كأن العملَيْن متكافآن).

وفي الكلمات اليونانية والقبطية:

– برسفيا presfeia وهي يونانية بمعنى شفاعة أو سفارة (لو 14: 32؛ 19: 14) (ومنها برسفيتيروس أي الشيخ أو القس أو الشفيع أو الوسيط)، وتُستخدم في صلوات الكنيسة مقترنة باسم العذراء ورؤساء الملائكة السبعة وسائر الطغمات السمائية والقديس يوحنا المعمدان؛

– إفكي (إفشي evche) باليونانية أو إشليل بالقبطية، بمعنى صلاة، وتُستخدم في صلوات الكنيسة مقرونة باسم الآباء التلاميذ والرسل والشهداء وآباء الكنيسة المنتصرة وقديسي كل يوم (حسب السنكسار)؛

– بروستاتيس prostatis واستُعملت في الكتاب المقدس للمؤنث بمعنى مُعينة (مثل فيبي – رو 16: 2،1)، ولكنها تُستعمل أيضاً للقديسين من الجنسين للدلالة على الشفاعة، كما في صلاة ”السلام لكِ“: (”نسألكِ اذكرينا أيتها الشفيعة المؤتمنة أمام ربنا يسوع المسيح ليغفر لنا خطايانا“).

أولاً: شهادة كلمة الله

1. «صلُّوا بعضكم لأجل بعض»:

إن طبيعة الكنيسة كجسد المسيح، هو فيه الرأس، الذي يلتحم به أعضاء الكنيسة على الأرض وفي السماء، تجعل الكل «أهل بيت الله» حسب تعبير القديس بولس (أف 2: 19) الذين في محبتهم يهتمون ببعضهم اهتماماً واحداً (1كو 12: 25)، وفي اسم المسيح يُقدِّمون طلباتهم من أجل أنفسهم ومن أجل الآخرين، والتي تدخل إلى الأقداس من خلال الوسيط الواحد بين الله والناس (1تي 2: 5)، الذي في شفاعته الفريدة صار لنا شركة مع الله الآب والروح القدس.

ولقد يُقال إن الصلاة من أجل الآخرين ليست ضرورية، فكل واحد يُصلِّي عن نفسه. ولكن ماذا عن المرضى والغائبين عن وعيهم؟ وماذا عن المخدوعين بالعالم اللاهين عن خلاصهم؟؟ وماذا عن الذين في شعورهم بعِظَم خطاياهم لا يجرأون أن يرفعوا وجوههم لله؟ وماذا عن المنسحقين المنحصرين في همومهم؟ وماذا عن الملايين المحاصرين بالأوبئة والمجاعات والحروب وثورات الطبيعة؟ بل إن الكتاب نفسه يحثُّنا أن نصلي بعضنا لأجل بعض (يع 5: 16)، وحتى من أجل أعدائنا الذين يُسيئون إلينا (مت 5: 44) كي يغفر الله لهم ويُغيِّر نهج حياتهم.

والقديس بولس، كما يذكر الآخرين في صلواته بلا انقطاع (رو 1: 9؛ 2كو 13: 7؛ أف 1: 16؛ 3: 14-19؛ في 1: 4،3؛ كو 1: 3، 9-12؛ 1تس 1: 2؛ 3: 10؛ 2تس 1: 11؛ 2تي 1: 3، فل 4)، هو يطلب «أن تُقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكُّرات لأجل جميع الناس» (1تي 2: 2،1)؛ بل إنه يطلب الصلاة من أجله (رو 15: 30؛ 2كو 1: 11؛ 1تس 5: 25؛ فل 22؛ عب 13: 18) ومن أجل خدمته: «مُصلِّين بكل صلاة وطلبة… لأجل جميع القديسين ولأجلي لكي يُعطَى لي كلام عند افتتاح فمي» (أف 6: 19،18).

وعندما أُلقي القديس بطرس في السجن، صعدت من الكنيسة «صلاة بلجاجة إلى الله من أجله» (أع 12: 5)، فأرسل الله ملاكه وحرره من سجنه. وفي إرسالية برنابا وشاول صامت الكنيسة وصلَّت من أجلهما (أع 13: 3). ومُعلِّمنا يعقوب يطلب الصلاة من أجل المرضى (صلاة الكنيسة، أو صلاة المريض، أو صلاة من حوله، أو صلاة الجميع)، «وصلاة الإيمان تشفي المريض (الذي دهنه قسوس الكنيسة بزيت باسم الرب) والرب يُقيمه، وإن كان قد فعل خطية تُغفر له (بتوبته إذا كان واعياً)» (يع 5: 15).

وكما كان – ها هو كائن – فالكنيسة في صلواتها اليوم تطلب من أجل سلامها، ومن أجل خُدَّامها، ومن أجل خلاص العالم، ومن أجل المرضى والمسافرين والمعوزين؛ بل هي تُصلِّي أيضاً من أجل الطبيعة: أهويةً ومياهاً وعُشباً وزرعاً وثماراً وحيواناً؛ كما تُصلِّي من أجل كل مَن له تعب في خدمة الله بكل نوع؛ وتذكر الراقدين والقديسين كما تطلب صلواتهم. وشماس الهيكل في ختام صلوات القداس يُنادي الشعب: ”اطلبوا عنا وعن كل المسيحيين الذين سألونا أن نذكرهم في بيت الرب“. والكنيسة في هذا كله تنسجم مع روح الإنجيل وشركة الحب والرابطة العضوية التي تجمع كل أعضاء الكنيسة في المسيح في السماء وعلى الأرض.

فشفاعتنا بعضنا لأجل بعض هي استجابة لصوت الإنجيل. وإذا كان الرسل وهم تحت الآلام يطلبون صلوات الكنيسة عنهم، فليس غريباً أن نطلب صلواتهم – أي شفاعتهم – وهم في المجد.

2. الله يُكرم قديسيه:

– كلمات الكتاب تشهد بإكرام الله لقديسيه: «أُكرم الذين يكرمونني، والذين يحتقرونني يصغرون» (1صم 2: 30)؛ «إن كان أحد يخدمني، يكرمه الآب» (يو 12: 26)؛ «الذي يسمع منكم يسمع مني، والذي يرذلكم يرذلني» (لو 10: 16)؛ «ذِكْر الصدِّيق للبركة» (أم 10: 7)؛ «الصدِّيق يكون لذكْرٍ أبدي» (مز 112: 6)؛ «اذكروا مرشديكم الذين كلَّموكم بكلمة الله. انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثَّلوا بإيمانهم» (عب 13: 7).

– والكتاب يصف الأبرار أنهم «يضيئون كضياء الجَلَد، والذين ردُّوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور» (دا 12: 3)، ويضيئون «كالشمس في ملكوت أبيهم» (مت 13: 43)، «وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم» (عب 11: 38)؛ وأنَّ «طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها» (يع 5: 16-18)؟

– وبعض الذين عاشوا في البر أكرمهم الله جداً مثل أخنوخ الذي «سار مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه» (تك 5: 24)، وإيليا الذي صعد في مركبة نارية إلى السماء (2مل 2: 11)؛ وبولس الذي اختُطِفَ إلى «السماء الثالثة» (2كو 12: 2).

– بل إن الله نسب نفسه إلى قديسيه قائلاً: «أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب» (خر 3: 16،15،6؛ 4: 5؛ مت 22: 32؛ مر 12: 26؛ لو 20: 37؛ أع 7: 32) وتعاهَدَ معهم، ومن هنا كان الآباء والأنبياء يتشفعون بهم لكي يتحنن الله عليهم (تك 32: 9-11؛ خر 32: 11-13؛ تث 9: 27،26؛ 1مل 8: 22-26؛ 1مل 18: 36-38؛ 2مل 13: 23،22؛ 1أخ 29: 10-18؛ 2أخ 6: 42).

– وقد وبَّخ الله هارون ومريم لمَّا تقوَّلا على موسى قائلاً عنه: «هو أمين في كل بيتي، فماً إلى فم وعياناً أتكلَّم معه» (عد 12: 8،7) مستهولاً كيف لا يخشيان أن يتكلَّما على عبده موسى. وقد كشف الرب عن قدر موسى (وصموئيل) عنده عندما رفض توسُّل إرميا النبي من أجل بني إسرائيل قائلاً: «إن وقف موسى وصموئيل أمامي لا تكون نفسي نحو هذا الشعب» (إر 15: 1) بما يشير أيضاً إلى عِظَم خطية الشعب وانحرافه حتى أنه سيرفض شفاعة موسى وصموئيل من أجلهم.

– ومن أجل قديسيه كان الله يفيض ببركاته ويتحنن بغير طلب أو حتى بعد انتقالهم من العالم:

+  فأمانة نوح وطاعته أنقذت كل عائلته. كما أن تمجيده لله عندما بنى مذبحاً وأصعد عليه محرقات حمداً وشكراً لله، جعلت الله يتنسم رائحة الرضا ويقول في قلبه: «لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان» (تك 8: 21،20).

+  والله «ذَكَرَ إبراهيم» (تك 19: 29)، وأنقذ لوطاً من وسط الهلاك الذي عوقبت به سدوم وعمورة. وبسبب طاعة إبراهيم وتقديمه إسحق للرب كانت البركة لكل النسل: «يتبارك في نسلك جميع أُمم الأرض» (تك 22: 16-18)، مؤكِّداً وعده السابق له (تك 12: 3،2). كما أن الله بارك إسحق لأجل إبراهيم قائلاً: «أكون معك وأُباركك… وأُكثِّر نسلك كنجوم السماء من أجل أن إبراهيم سمع لقولي» (تك 26: 1-5، 24).

+  والرب بارك بيت فوطيفار بسبب يوسف: «وكانت بركة الرب على كل ما كان له في البيت وفي الحقل» (تك 39: 5).

+  وبسبب خطية سليمان حَكَمَ الله بتمزيق مملكته، ولكنه من أجل داود – الذي توسَّل به سليمان إلى الله (مز 132: 10) – لم يفعل ذلك في أيامه «بل من يد ابنك أُمزِّقها… بل أُعطي سبطاً واحداً لابنك لأجل داود عبدي…» (1مل 11: 11-13)، ويكرر عهده هذا مع يربعام (1مل 11: 31-36). ومن أجل داود أيضاً لم ينزع الرب مُلْك يهوذا من أبيام حفيد أبشالوم (1مل 15: 1-5) ويهورام بن يهوشافاط (2مل 8: 19)، وأنقذ أورشليم من ملك أشور (2مل 19: 32-34).

– كما أن الرب أيام جسده أظهر في أكثر من مناسبة تقديراً خاصاً وإكراماً لبعض مَن حوله:

+  فشهد للمعمدان أنه أعظم مواليد النساء (مت 11: 11).

+  وساعة التجلِّي كرَّم النبيَّيْن موسى وإيليا بدعوتهما من وراء الحُجُب إلى جانبيه: «اللذان ظهرا بمجدٍ وتكلَّما عن خروجه الذي كان عتيداً أن يُكمله في أورشليم» (مت 17: 3؛ مر 9: 4؛ لو 9: 31،30).

+  كما وعد تلاميذه قبل أيام من صليبه: «أنتم الذين تبعتموني، في التجديد، متى جلس ابن الإنسان على كُرسيِّ مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسيّاً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر» (مت 19: 28). بل إن أسماء الرسل ستكون مكتوبة على أساسات سور أورشليم الجديدة النازلة من السماء (رؤ 21: 14).

+  وامتدح الرب مريم أُخت لعازر التي دهنت قدميه بالطِّيب ومسحتهما بشعر رأسها ليلة آلامه مُستبقة تكفينه قبل موته قائلاً: «حيثما يُكرز بهذا الإنجيل في كل العالم، يُخبَر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها» (مت 26: 13؛ مر 14: 9).

فنحن في إكرامنا للقديسين نسير على خُطَى الرب ووصاياه، كما أننا في الحقيقة نُكرِم بذلك مَن أرسلهم ونُمجِّد مصدر صلاحهم وقداستهم، وهو الله.

دكتور جميل نجيب سليمان

 

؛===========

(1) من copher العبرية بمعنى يُغطِّي cover. فالمسيح ستر عُرينا بثوب برِّه، ويقول الرب لإشعياء بعد أن مسَّ الملاك شفتيه بجمرة من فوق المذبح: «إن هذه قد مسَّت شفتيك، فانتُزع إثمُك وكُفِّر عن خطيتك» (إش 6: 7). ويقول الوحي: «طوبى للذين غُفرت آثامهم وسُترت خطاياهم» (مز 32: 1؛ رو 4: 7).

(2) أفرطت كنيسة روما في إكرام العذراء، فلم تَرَها فقط أُمّاً لله – ثيئوطوكوس – التي أخذ منها جسده، وأُمّاً للكنيسة والشفيعة الأمينة لجنس البشر؛ وإنما شريكة في الخلاص ومولودة من أبويها بغير ذنب الخطيئة الأصلية كما يحدث لكل المولودين – بحسب عقيدة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية – وتُسمَّى هذه العقيدة عندهم: ”الحَبَل بلا دنس الخطية Immaculate Conception“، دون سند من الكتاب والتقليد، ورغم قول العذراء الصريح أمام أليصابات: «تبتهج روحي بالله مخلِّصي» (لو 1: 47)، فهي كانت تنتظر خلاص الرب مع سائر المنتظرين (لو 2: 38،25)؛ فضلاً عن تركيز كنيسة روما على فضائل القديسين وأعمالهم الصالحة وعرض الفائض منها لحساب المؤمنين، يضيفونها إلى رصيد ذويهم المنتقلين أو رصيدهم عند انتقالهم، فيفيدون بـإعفائهم مـن عقوبات المطهر (بحسب اعتقادهم)، بعضها = = أو كلها، وبالتالي يتيسر دخولهم إلى الفردوس. ويتصل بهذا الأمر ”صكوك الغفران“ (لتقليص فترة المطهر) التي عُرفت أوائل القرن الحادي عشر واتسع استخدامها مع الحملات الأوروبية (التي استمرت قرنين حتى عام 1291م) لتشجيع الجنود على الانخراط في الحرب، وبعدها صارت تُمنح لِمَن يقومون بأعمال خيرية، أو الذين يزورون قبر الرسولَيْن بطرس وبولس في روما (بديلاً عن القدس التي سقطت)، أو مقابل تبرعات (فكانت الإيصالات تتضمن غفران عدد من الخطايا).

Share this content:

إرسال التعليق

You May Have Missed